(١) ما الذي تخطط له الحكومة وتنوي فعله بجامعة الخرطوم – أعرق وأقدم الجامعات السودانية ؟
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي مطلع الاسبوع المنصرم بين مستغرب ومستنكر وغاضب بعد أن سربت الحكومة خبراً مقتضباً أذاعته وكالة سونا للأنباء حول نقل كليات الجامعة إلى منطقة سوبا والاستفادة من موقعها الحالي على شارع النيل أسوة بالوزارات والمباني الحكومية المطلة على النيل والتي تعتزم الحكومة بيعها والاستفادة من عوائدها بعد أن لم تجد ما تبيعه وقال قائلهم في ذلك (لقيت الحتات كلها باعوها) ..
(٢) خرجت إدارة الجامعة على استحياء في صفحتها بالفيسبوك ببيان أقل ما يقال عنه أنه (مبهم) حاولت فيه أن تنفي ما تداولته الأسافير فلم يسعفها المقال ، ذكرت فيه أن نقل بعض كليات الجامعة كان فكرة قديمة منذ عهد البروفيسور عبدالله الطيب ، وختمت البيان بالتأكيد على المحافظة على مباني الجامعة باعتبارها مواقع سياحية وتاريخية وأثرية ..
(٣) العداء بين الأنظمة الديكتاتورية وجامعة الخرطوم قديم قدم الجامعة نفسها ، وظهرت أول بوادره مع هذا النظام في العام ١٩٩٠م عندما دخلت جرافاته إلى حرم الجامعة ودكّت منطقة النشاط وسوتها مع الأرض تماماً في مشهد بربري متخلف يعكس رغبة دفينة في القضاء على الجامعة كرمز وطني له دوره النضالي في مسيرة البلاد ..
(٣) في السنوات الأولى لهذه الحكومة وفي هوجة حرب الجنوب أراد بعض المتهورين محو اسم جامعة الخرطوم واستبداله ب (جامعة الشهيد) ولكن ولأسباب غير معروفة ماتت الفكرة في مهدها ولم تَر النور ..
(٤) في 7 أكتوبر 2014 أعلن ما يسمى بالصندوق القومي لرعاية الطلاب إنه نفذ عمليات إزالة لخمس داخليات بمجمع الزهراء (البركس سابقاً) بزعم وجود بعض العيوب الإنشائية التي تجعلها آيلة للسقوط.. والصورة أدناه تظهر إحدى الجرافات وهي تدك داخلية بركة أو القرشي التي كانت سكناً لنا في منتصف الثمانينات ، ولم نلحظ بها أي تصدع أو خلل يستدعي حتى مجرد الصيانة ناهيك عن الإزالة إذ هي من بناء الانجليز وعرض الجدران فيها يتجاوز المتر ، فلو كان بها خلل هندسي فهذا يعني بالضرورة أن أغلب مباني الجامعة آيلة للسقوط اذ هي مبنية بنفس الأسلوب والمواد والفترة الزمنية..
(٥) حتى ولو أحسنا الظن وصدقنا زعمهم بوجود ضرورة دعت إلى إزالة هذه الداخليات ، ونسأل : لماذا تتم الإزالة بهذه الوحشية والهمجية التي تذكر بجرافات الاحتلال الإسرائيلي ؟ لماذا لم تفكك هذه الداخليات على مهل بحيث يستفاد من أسقفها وأخشابها وأبوابها ونوافذها وما بها من أثاث ؟؟
(٦) بين يدي الآن مقطع فيديو لإبن الانقاذ المدلل حسين خوجلي يتحدث فيه بكل جهل عن جامعة الخرطوم ويقلل فيه من قيمتها قائلاً :
(شنو دي .. دي جامعة شنو دي ؟.. هو ذاتو جامعة الخرطوم دي وقت بقت كدا شيلوها من هنا ذاتا .. مش شلتوا مستشفى الخرطوم ؟؟ شيلوها هي ذاتا .. خلي الناس ديل يقعدوا في الخلا يتماوتوا هناك .. وكل حاجة تبقى واضحة) ..
(٧) وأخيراً خرجت صحيفة اليوم التالي الصادرة صباح اليوم بتصريح غريب جداً لوزير السياحة مقتبس من لقاء أجرته معه الصحيفة يكمل فيه سيناريو مخطط القضاء على جامعة الخرطوم ويقول فيه إن وزارة السياحة قد وضعت يدها على الجامعة وأنها ستعمل على إخلائها وتحويلها إلى مزارات سياحية وأثرية !!
(٨) إنه من الواجب على كل سوداني حر ، درس بهذه الجامعة أو لم يدرس ، أن يقف بشدة وصلابة في وجه هذا المخطط التدميري الرامي للقضاء على أبرز معالم السودان وإرثه وتاريخه ، وأن يواجهه بكل ما أوتي من حزم وقوة .. فهذا النظام لا يأبه لتاريخ ولا لحضارة .. فهو مثلما يسعى في الشمال على قدم وساق وفي اصرار غريب على تدمير حضارة النوبة الممتدة إلى آلاف السنين في عمق التاريخ يريد في قلب الخرطوم أن يهدم ويبيع أقدم وأعرق منارة عرفتها البلاد لها مكانتها العلمية والبحثية الرائدة ..
بقلم
عمر أحمد حسن