كُبري هاشم بامكار وحاتم الياس
كتب الصديق – المحامي و(الناشط) في الأنحاء والأسافير – حاتم الياس، على حائطه بـ (فيس بوك) وبطريقته المُشاغبة الرقراقة: “أنا سعيد بإعادة الاعتبار للزعيم المرحوم (هاشم بامكار) حفيد عتمان ود عجيب المانجلك، الملك الثاني بعد عجيب المانجلك وهو أحد زعماء أهلنا (العتمن) بشرق السودان، حين طرح مقترح الكوبري بين السعودية والسودان، رأى فيها الكثيرون طرفة جامحة لخيال ذلك السياسي.. الآن يُعلنها ملك السعودية في مصر بأن بلاده ستشرع في بناء جسر عبر البحر الأحمر.. بصيرة ملوك ياشيخ بامكار والله”.
بطبيعة الحال، أراد (ود الياس) أن يشير هنا إلى مقترح مشروع الجسر العملاق الذي من المؤمل أن يربط بين السعودية ومصر واصلاً بين رأس حميد في منطقة تبوك شمال السعودية عبر صنافير ثم جزيرة تيران ثم إلى منطقة النبق وإلى شرم الشيخ بطول 50 كم، على أن يربط الجسر المزمع إنشاؤه جزيرة تيران بسيناء بنفق بحري حتى لا يؤثر على حركة الملاحة، وتقول الأخبار أنه خطط أن يتم تنفيذه خلال سبع سنوات بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار.
واقع الأمر، ورغم أنني لم أفهم ماذا قَصْدَ حاتم الياس بـ (بصيرة ملوك)؟ ولكنه ببصيرته النافذة أعاد إلينا البرلماني الراحل الفذ (هاشم بامكار محمد عبد الله)، نائب دائرة بورتسودان الوسطى في آخر برلمان ديمقراطي في البلاد، في مقاربة ذكية على المستوى النظري بمشروع جسر البحر الأحمر بين مصر والسعودية، لكن على المستوى (العملاني)، يبدو اقتراح الراحل بامكار عصيًّا على التحقق لمن يعرف البحر الأحمر جيّدًا، فبعض (القلزم) الرابط بين السودان والسعودية ليس كبعضه الذي يربط بمصر، حيث تُسهِّل الجُزر المنتشرة هناك إمكانية إنجاز ذلك، بينما المساحة (البحرية) بين بورتسودان وجد لجج بعضها فوق بعض، وغابات من شُعب، و(أشياء أخرى)، أن أبديناها تسوؤنا.
كبري، هاشم بامكار، وارد هذه الزاوية، تبدو قصته شائقة، كما تبدو فكرته مستحيلة في ذلك الزمان، حيث وعد الرجل ناخبيه المحتملين أنه سيُشيِّد لهم (كوبري) يصل بوتسودان بجدة، وبالتالي من أراد الحج أو العمرة أو (زهج من البلد)، وقرر أن يغترب، فإنه لا يحتاج إلا لبعض الإحماء (قبل الجكة) وعبر الكُبري إلى جدة ومكة والمدينة. وبالطبع فإن بعضهم من صوتوا له ربما صدقوا ما قال، لكن جلهم من ساندوه كانوا يعرفون أن الرجل صاحب نكتة وحضور، وكان يحبونه لذلك، ولذلك يصوتون له.
والحال، أن الراحل هاشم بامكار، دون إحالته إلى (الملوك) فيما ذكر ود الياس، يعد واحدًا من النواب البرلمانيين الأفذاذ، ليس فقط لأنه اشتهر باللطف وسرعة البديهة والقفشات، وليس لأنه أكثر النواب استخدامًا لعبارة (نقطة نظام)، بل لأنه أولى قضايا دائرته ووطنه الصغير والكبير، دون نزعة (قبلية أو جهوية) اهتمامًا كبيرًا وظل متفانيًا في خدمة قضايا الشرق وإنسانه – بعمومه السوداني – حتى كاد أن يضع جسرًا على البحر المالح يفضي إلى الأراضي المقدسة، يحج من يحج ويعمل من يعمل.