جرت وكالة “سبوتنيك” حوارا خاصا مع الرئيس عمر البشير تحدث فيه عن رؤيته للعديد من القضايا الإقليمية والمحلية والوضع الحالي الذي تمر به السودان.
ونقدم فيما يلي نص المقابلة:
تشهد البلاد الآن قرب نهايات الحوار الوطني الذي استمر قرابة العامين والنصف، ما هي الضمانات لتطبيق ونجاح مخرجات الحوار، في حين أن هنالك مجموعات أخرى تحمل السلاح وترفض المشاركة في الحوار، مما يعني استمرارية الحرب؟
دعوتنا للحوار الوطني كانت لوقف الصراعات المجتمعية والخصومات السياسية والنزاعات المسلحة، كي تستطيع جميع مكونات الدولة المساهمة في استمكال مسيرة البناء والنهضة.
وما لم تقتنع جميع أو أغلب مكونات الساحة بضرورة تقديم المصالح العامة على المصالح الحزبية والقبلية، فلن يتحقق السلام المجتمعي الذي هو البوابة الرئيسية لاستكمال مسيرة المشروعات التي ستحقق الرفاهية للمواطنيين.
وقد استجابت كثير من الحركات المسلحة واقتنعت بهذه الرؤية الوطنية الجامعة، وانضمت لركب المتحاورين في المبادرة الحوار الوطني، خصوصا أننا فتحنا الدعوة لجميع الحركات المسلحة وما زالت دعوتنا مفتوحة لتجمع جميع الناس حول المصالح الوطنية المشتركة.
ويوازي هذا الحوار مع الأحزاب والمليشيات الراغبة في السلام، حوار آخر مع مكونات المجتمع المدني والتي تبدي آراءها في جميع قضايا البلاد في الاقتصاد والهوية والسلام وشؤون الحكم وكذلك العلاقات الخارجية.
نحن نعول على وعي المواطنين بقضاياهم وعدم السماح لرافضي الحوار بالمتاجرة بقضايا المواطنين، لذا فالضامن الأول لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، هو المواطن نفسه ثم تأتي إرادة الدولة وتجاوب مؤسساتها، ويضمن ذلك في دستور جديد للبلاد.
في حالة فشل التوصل لاتفاق لوقف الحرب بالكامل كما تطالبون في المفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية، مع العلم أن المفاوضات قد تجاوزت عشر جولات خلال الخمس سنوات الماضية، ما هو الخيار الوحيد أمامكم لإعادة الأمن والاستقرار للسودان؟
نحن نرغب في أن تقطع الحركات المسلحة ارتباطها بالجهات الأجنبية التي لا تريد السلام للسودان، علما بأنه مسمى الحركات الشعبية نفسه مرتبط بدولة جارة ولم يتغير مسماها ولا ارتباطها بها.
ونتمنى أن تعود جميع الحركات المسلحة لطاولة المفاوضات دون الاشتراطات المسبقة التي تعيق تقدم التفاوض، وحاليا هناك اهتمام عالي من طرف الاتحاد الأفريقي بهذه القضية للضغط من أجل تحقيق السلام.
وفي حال إصرار قطاع الشمال والحركات المسحلة الأخيرة على مواصلة الخراب والإضرار بقضايا الوطن، فإنه لن يكون لدينا خيار سوى التنسيق مع مجلس السلم والأمن الأفريقي وجامعة الدول العربية كي يتم فرض الأمن في المنطقة، فالسلام الإقليمي لا يتجزأ، وينبغي القضاء على بؤر الإرهاب المسلح في جميع دول المنطقة، كيلا يحدث فراغ أمني يستغله الإرهابيون في زيادة معاناة شعوب المنطقة والعالم.
تفاعلت العلاقات السودانية الروسية في السنين الأخيرة مع بدء اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين، ما مدى طموحاتكم في تمديد علاقاتكم مع روسيا، وخاصة في الجوانب السياسية والاقتصادية؟
نحن نعول على العلاقات مع روسيا والتي لم تشهد أي توترات في مسيرتها الطويلة.
ونعتقد أن رؤيتنا السياسية في منطقة الشرق الأوسط يجب أن تستصحب روسيا كدولة عظمى لها مصالحها المشتركة معنا في المرحلة المقبلة.
فروسيا كانت سندا لإفريقيا والعالم العربي خلال التحديات المثيرة التي واجهتها في الماضي ولن تتغير في المستقبل.
استضافت موسكو في أواخر العام الماضي اجتماعا مشتركا جمع بين وزيري خارجية السودان وجنوب السودان من أجل تفعيل وتقريب النظر حسب اتفاقية التعاون المشترك التي تمت بين البلدين في 2012، وحصلت فيها تفاهمات جيدة حسب تصريحات الوزيرين، لكن حسب قراركم الأخير بأن يتم معاملة رعايا دولة الجنوب في السودان كأجانب، كأنه أعاد التوتر بين البلدين للمربع الأول، ما وراء وأسباب هذا القرار؟
نسعى دوما لعلاقات مع دول الجوار، وفي رؤيتنا أنها يجب أن تكون علاقات استراتيجية لصالح شعوب دول المنطقة.
وسعينا لفتح الحدود مع دولة الجنوب لتسهيل عبور البضائع والبشر، وتسهيلا لحياة مواطني البلدين في مناطق التماس الحدودية، لكن حدثت خروقات أمنية من الجانب الآخر تطلبت البدء في إجراءات لفرض الانضباط وذلك بسبب عدم التزام جوبا بشرط عدم إيواء الجماعات المتمردة، وعدم تسليحها ومساندة خروجها على الحكومة، ولكننا سوف نسعى على الرغم من ذلك للاستمرار في حل الخلافات مع جوبا بعون الاتحاد الإفريقي، وأي جهد للمصالحات مثل الذي قدمته موسكو من قبل.
مجموعة “داعش” الإرهابية تكثف نشاطها في إفريقيا. هل يعتبر خطر هذه المجموعة راهنا بالنسبة للسودان؟ هل بإمكان الخرطوم مواجهته لوحده؟ أم قد يتطلب مساعدة من الخارج؟ هل يمكن أن يطلب هذه المساعدة بما فيها العسكرية من روسيا؟
السودان يقوم بعمل احتياطاته تأمينا للحدود خصوصا الغربية، لمنع استغلال الحركات الإرهابية لحالة الفراغ الأمني الموجود في بعض المناطق الحدودية لدول الجوار، حيث إن الحركات المسحلة تنشط في نفس المناطق وتقوم بنقل السلاح بين الدول بصورة غير مشروعة.
وملف الإرهاب هو شأن إقليمي ودولي، وليس له دين وليس له جنسية محددة وليس شأنا يخص دولة واحدة، ولذلك تحدث التحالفات بين الدول كي تحافظ على الأمن ومواطنيها.
ولذلك المنطقة بعد فراغها من حل مشكلة التمرد في اليمن، وكذلك نحن نشارك في قوة شرق أفريقيا التابعة للاتحاد الإفريقي ويمكن الاستعانة بها للقضاء على الإرهاب.
ولا نستبعد أن تقوم دول غير عربية تريد الحفاظ على مصالحها في المنطقة بالمساهمة في حفظ السلام والأمن الدولي.
ما حقيقة الأنباء التي تقول إن السودان يورد الأسلحة إلى ليبيا؟
حدودنا ممتدة مع دول الجوار، ولا يمكن للدول الكبيرة أن تسيطر سيطرة كاملة على حدودها، والذي يحدث حاليا هو التهريب للسلاح من ليبيا المضطربة أمنيا إلى السودان، وهذا ما تستغله الحركات المسحلة والإرهابية في جانبي البلدين.
وحقيقة الأمر أن السلاح يتدفق من ليبيا لتغذية الجماعات الإرهابية، ونحن اتفقنا مع دولة تشاد ودولة إفريقيا الوسطى على إقامة قوات مشتركة لمناهضة تدفق السلاح ولمنع التهريب والهجرة غير الشرعية.
عدد كبير من اللاجئين المتوجهين إلى أوروبا يحضرون من السودان، ما برأيكم سبب ذلك؟ ما الخطوات التي يعتمدها الخرطوم لوقف الهجرة؟ هل من إحصائيات أو أرقام لعدد اللاجئين؟
السودان بلد كبير يستقبل ملايين اللاجئين من دول الجوار ويؤويهم على أرضه لسنوات، معظم من يلجأ منهم إلى دول الغرب، يذكر أنه من السودان، أما شؤون العمل الإنساني فلدينا لها مفوضية تنظم أعمالها.
وللسودان استراتيجة واضحة في التعامل مع الهجرة غير الشرعية وخاصة تلك التي ارتبطت بتهريب البشر.
لماذا اعترض الخرطوم على تعيين أحمد أبو الغيط أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية؟
لم تعترض الخرطوم على شخص أبو الغيط، بل اعترضت على اختيار الأمين العام بأغلبية الرأي، وهذا يخالف ميثاق الجامعة العربية الذي ينص على توافق الجميع عند اختيار الأمين العام، علما بأن دول أخرى هي التي اعترضت على أبو الغيط، أما السودان فقد رأى ضرورة إقناعها كي يتحقق التوافق العربي رغمًا عن التحفظات.
إلى إي مدى يعيق قرار محكمة الجنايات الدولية بحقكم، عملكم كرئيس بالسفر والمشاركة في المؤتمرات؟ هل أنتم مستعدون للتعاون مع المحكمة كالإجابة على أسألتهم إذا ما أتوا إلى الخرطوم؟
لم نتوقف أبدًا عن السفر ونقوم بتلبية أي دولة تدعونا لزيارتها، ونقوم بزيارة الدول التي تعترف بهذه المحكمة والتي لا تعترف بها.
نحن في السودان مثلنا مثل أمريكا لا نعترف بهذه المحكمة الانتقائية، والتي عليها زيارة دول كثيرة في العالم ابتداءً من الدول التي مارست الاستعمار والاحتلال وارتكبت مجازر مع مواطني أفريقيا ودول العالم الثالث والعراق وغيرها.
هذه المحكمة ومن يمولونها لهم أجندة سياسية واضحة من الحملات الدعائية التي ترونها، ولكنها زادت التفاف المواطنين حولنا، ولعلك أنت الآن في دارفور وقد زارت وكالة “سبوتنيك” الروسية جميع أنحاء دارفور، ورأت حشود المواطنين التي تستقبل رئيس السودان بحفاوة وأبهرتكم، ولولا أن الاتهامات ظالمة لما خرج المواطنون لاستقبالنا بهذه الأعداد الضخمة.
ونرجو من الإعلام أن يكون صادقا في نقل الصورة الحقيقة لبلادنا، وألا يكون مثل الإعلام المكثف الذي تابعتموه وهو يتهم العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل حتى صدّق العالم كله هذه الأكاذيب، وانتهى الأمر باحتلال العراق وتدميره.
smc