عبد الجليل سليمان

أبو ضفيرة.. شاقِي روحك ليه

للمطرب الفذ (أحمد ربشة) أغانٍ لا تُنسي، لعل أشهرها تلك التي يُقال (والله أعلم)، إنها من كلمات الشاعر (إسحق الحلنقي)، في رواية، وفي أخرى (عبد الرحمن مكاوي) وألحان الموسيقار (ناجي القدسي)، “شاقي روحك ليه/ هو الزعل بجدي/ بحرو ما روّاح موجو ما بهدّي/ يا فرح قرّب ويا هموم عدي/ ابتسامتك هي الباقية يا سيدي ما بدري من عمرك/ لسه إنت شباب يا فرايحي اللون/ يا أبو عيون أحباب”.
على أي حال، سواء أكانت، من كلمات أي من المذكورين أعلاه، فلهما التحية والتقريظ، والنوايا الواصلة، فهي أغنية رائعة تحفز على الفرح وتحض على الحياة واستثمارها في إفشاء الحب ونشر السعادة بين العالمين، “العيون بتريد في البسيمة مُنى/ والله إنت سعيد يا البريدك أنا”.
ثم فجأة يظهر علينا رجل اختفى منذ سنوات ليخرجنا من تضاعيف ربشة ورهطه، يظهر علينا الصديق أبو ضفيرة، صاحب نظرية الرقم (13) الشهيرة، عبر خبر نشرته يومية (حكايات) أمس الجمعة، ليُعلن أنه تبقى من نفخ الصور وإعلان نهاية الحياة الدنيا وقدوم يوم الحشر الأكبر، فقط (109) سنوات، لا غير.
المؤكد دينيًا – بحسب معرفتي المتواضعة – في هذا الصدد، أن موعد حلول القيامة ليس من شأن البشر وإنما هو أمر إلهي (حصري)، لا يعلم بذلك إلا هو سبحانه وتعالى، فيما للبشر أدوار أخرى ينبغي أن يؤدوها في إعمار هذه الأرض وإحيائها، فما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولا ينبغي لأي بشري أن يعلن عن القيامة نيابة عن الله سبحانه. إلا أننا ابتلينا بمفارز ممن يدعون أنهم مقربون إلى السماء، وبالتالي مخول لهم ترك شؤون الأرض وعلوم الدنيا للرجرجة والدهماء أمثالنا، فيما هم يتفرغون لما في السماء، وبين هؤلاء أستاذ اللغة الفرنسية في جامعة الخرطوم (الصديق أبو ضفيرة)، الذي نشط منذ ثمانينيات القرن المنصرم في أشغال السماء، ولم يترك أعمال الأرض لمن هم أدنى، فظل يكابد المعرفة على صعيديها البشري والرباني بدأبٍ شديد، فأخرج نظرية الرقم (13) الشهيرة، ورغم أنها ليست من (خلقة وإبداعه)، إذ أن هذه الخرافة تعود للعام 1780 قبل الميلاد، لكنها راجت أكثر عندما وضع البابليون القدماء وثيقتهم القانونية والتي عرفت بشريعة حمورابي حيث أن هذه الوثيقة لم تتضمن القانون الثالث عشر!! كما أن هناك معتقدا عند بعض الشعوب يؤكد أنه إذا اجتمع 13 شخصاً على العشاء معاً فإنّ احدهم سوف يموت! وهذا يأتي من عشاء السيد المسيح الأخير. ويقال إنه في روما القديمة كانت تجتمع الساحرات في مجموعات تضم كل واحدة 12 ساحرة، أمّا الرقم 13 فهو للشيطان. وفي العديد من الحضارات القديمة كانوا يعقدون حبل المشنقة 13 عقدة.
والحال، أن أبا ضفيرة، لابد نظر في تلك الميثولوجيا، كونه درس بعض الوقت في فرنسا، ثم عاد ليجيرها إسلاميًا بطريقة مثيرة للسخرية والرثاء، ولما شعر بفشل نظريته تلك، وأن لا أحد أعارها اهتمامًا، عاد إلينا مجددًا ليعلن فينا القيامة بعد قرن ونيف.
لا أعلم لماذا يُكبد الرجل نفسه عناء معرفة متى تقوم قيامتنا؟ ولم يشق نفسه كل هذه المشقة؟ (شاقي روحك ليه) وأنت تعلم أنها تأتي بغتة، لكن حتى إذ (قامت) اليوم وليس غدًا فإنه حينها سيفر المرء من أخية وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لذلك هوِّن عليك يا رجل، واترك هذا الهراء وغن معنا “لأني شايل الريد جُوه قلبي هنا/ عشتك إنت جمال ودُبت فيك غُنا/ بدري من عمرك لسه بدري عليك).