“الخطيئة بعد عن الخير، واليأس بسبب الخطيئة زيادة في البعد” .. كيركغارد ..!
يقول راوي الحكاية ..
كنت شاباً حديث عهد بالزواج عندما اتخذت قرار تبني طفلة لقيطة أصبحت بمرور الوقت جزءاً من أسرتي الصغيرة، وقد ساعدني الاغتراب خارج البلاد لسنوات طويلة على إخفاء الحقيقة عنها وعن كل من حولي عدا بعض المقربين .. كنت أعلم أن تزويج الفتاة في السودان ومن شخص ينتمي إلى عائلة تقيم هناك أمر محفوف بمخاطر لا حصر لها .. فجميع أهلي وأهل زوجتي يعرفون أنها ليست ابنتي ..!
جمال الفتاة الواضح كان سبباً في أن يطرق العديد من الشباب المغتربين بابي لخطبتها، لكني اخترت أبعدهم عن الحياة الاجتماعية في الخرطوم .. وأكثرهم زهداً في العودة للاستقرار هناك .. فالشاب الذي وقع اختياري عليه – بعد أن لاحظت ميلها الواضح إليه – كانت أمه من أهل ذلك البلد العربي الذي اغتربنا فيه، ووالده من قرية نائية في شمال السودان .. كان على خلق ودين لذلك لم أعر سوء أوضاعه المادية كبير اهتمام .. فكل ما كان يؤرقني وقتها هو أن أستر الفتاة وأن أطمئن على استقرار حياتها بين يدي قوي أمين ..!
بعد انقضاء شهر عسلهما عادت ابنتي وزوجها للإقامة معنا .. وبعد بضعة شهور آن أوان عودنا النهائية إلى الخرطوم .. فحزمنا أمتعتنا وخرجنا من تلك البلاد خروجاً نهائياً لا رجعة فيه – عائدين إلى الوطن – بعد أن تركنا لهما أثاث الشقة كاملاً ..!
كانت سعادتي بولادة طفلها الأول لا توصف، فقد أحسست بأنني قد أديت واجبي كاملاً نحو فتاة تم قطعها بالقوة من شجرة أسرة أبيها العريقة وأسرة أمها الثرية بحجة أنها قد ولدت في ظروف غير شرعية ..!
اليوم أصبحت طفلة الأمس زوجة وأماً .. أوليس رائعاً أن تصبح تلك الطفلة المنبوذة زوجة وأماً ومشروع جدة بعد أن كادت تلقى حتفها بعد أن لفظتها أمها وحاربت بقاءها على قيد الحياة ..؟!
لكنني رغم اطمئناني عليها أعيش اليوم هماً و قلقاً كبيرين .. قبل بضعة أسابيع أخبرتني ابنتي في مكالمة هاتفية عن قرار عودتها النهائية إلى السودان مع زوجها الذي وجد فرصة جيدة للعمل في الخرطوم كموظف بإحدى الشركات الخاصة التابعة لمؤسسة كبرى يملكها أحد أثرياء ذلك البلد العربي ..!
وهكذا بات كشف المستور أمام زوجها أمراًوارداً .. وبات التقاؤها صدفة بأمها التي ما تزال على قيد الحياة .. وهنالك احتمال بعيد – لكنه ممكن – هو أن تربط علاقة زواج بين أحد فروعها وفروع والديها .. فيقع زواج محارم لا يعلم بأمره أحد ..!
اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات، بعد أن تزوج أبنائي .. ورزقت بالأحفاد .. وكبرت في السن .. باتت تزورني هواجس كثيرة بشأن موقف الدين والمجتمع من فعلتي التي مر عليها ما يربو على العقدين ونصف من الزمان ..!
عندما يحين أجلي .. ويغيَّبني الثرى .. وأقف بين يدي رقيب عتيد .. هل سيحاسبني الله على ذنب التبنِّي الذي حَرَّمه الإسلام ؟! .. هل سيحاسبني الله على ظلمأ بنائي الذين من صلبي بإشراكي للفتاة معهم في ميراث أموالي ..؟!
هل ستنصفني ابنتي وتثمِّن موقفي ؟! .. هل ستقدِّر أسباب كذبي عليها ؟! .. أم ستغضب من تدخلي في شئون أمها .. وانتزاعي إياها من بين يديها حفاظاً على حياتها ؟! .. هل سينصفني المجتمع مستصحباً سلامة نيتي إذا شاع نبأ تربيتي لطفلة يصمها هو بأنها ثمرة حرام في بيتي وبين أبنائي .. أم سيظن بي الظنون ..؟!
أشهد الله بأنني لم أجد خياراً آخر أمام استغاثة عينيها البريئتين، وبأنني قد فعلت ما فعلت لإنقاذ طفلة بريئة لا ذنب لها في خطيئة أبويها .. أما اليوم فلست أدري ماذا أفعل ..!