عبد الله الشيخ : أصداء من هتاف(الشقيق)..!

في مثل هذا اليوم ، قبل 31 عاماً سقط نظام مايو.. التحية لكل جندي مجهول شارك في صناعة الحدث.. وهذه مشاهد تُذاع لأول مرة، ومثلها كثير ضاع في زحام الادعاء.. احتشد شهر مارس 85 بإرهاصات النهاية الحتمية لنظام مايو، ففي الأسبوع الأخير من ذلك الشهر خرج المشير النميري عليه رحمة الله بخطابٍ غضوب، اتهم فيه (أُخوان الشيطان) بالتآمر على نظامه، وباختراق الاتحاد الاشتراكي السوداني.. كانت الجامعة الإسلامية حينها أهم القِلاع المحررة بعد سقوط الإخوان الداوي في انتخابات اتحاد الطلاب، وكنا في مؤتمر الطلاب المستقلين، نرى أن حلفاءنا في الاتحاد، (الأُمة والاتحادي)، لا يمكن أن يذهبوا معنا إلى آخر المدى.. كنت مع عماد خليفة، وأبو كساوي، وود إبراهيم، ومنير، كثيراً ما نتندر عليهم ونصفهم بأنهم (كهنوت) أو (كرادلة) لا يستطيعون مغادرة سياق إيمانهم، إيمان العجائز..!
شاء لنا الهوى أن نقدِّم أنفسنا أمةً وسطا بين (إفراط الرجعية وتفريط الجبهة الديمقراطية)، التي كان زهرها يتفتح زاهياً في كلية البنات، أكثر من كليات البنين، وكان هناك أيضاً، ناصريون نعم، بجمعيتهم العمومية (منتصر عبد الماجد).. عند وقوع الحدث الكبير، طافت في خاطري، حكمة ألا أبخسَ الناسَ أشياءهم.. فمن نناديهم بـ (حزب الفتة)، استقطبوا حينها ثلة من الشباب الرائع عبد الرحمن عبد القادر، المغيرة رملي، فتح العليم محجوب، طارق الجزولي، فكري كباشي.. إلخ.. وكان سلامة، والصادق عثمان، الزناري، صلاح بريمة، ومحمد عبد الرحمن.. إلخ، هم قيادات شباب الأنصار.. فرغ النميري من خطابه الغضوب وسافر من غير رجعة، بعد أن أودع بعضاً من الإخوان في السجن.. وبعض الذين (نفدوا) من السجن (حلقوا دقونهم) خيبةً وازوراراً.. أسماءٌ لامعةٌ في هذه السلطة الراهنة، يا سيدي: أطاح بيان (أب عاج) بدقونها في ساعة من نهار.. (إن شئت تفصيلاً، فلأبْعَثَن إليك برسالةٍ شافيةٍ ضافيةٍ، على صندوق البريد)..!
تكاثفت اجتماعات اتحاد التضامن، لتحديد موعد النزول إلى الشارع.. بعد تداول مضنٍ خرج مجلس الاتحاد الذي كان يرأسه عمر حمد النيل بقرار:( إرجاء موعد الخروج إلى الشارع لمزيد من التحضير والتشاور).. في صبيحة 24 مارس وقف سلامة وبجانبه محيي الدين إدريس، لتلاوة القرار.. لكن أحد الأشقاء- محمد سيد أحمد- قاطع تلاوة البيان رافضاً قرار التأجيل ومؤلباً على الخروج.. تفجر الموقف في مدرج الشيخ البدوي إثر هتاف (الشقيق): لا لا للمتخاذلين.. لا لا للجبناء..!
لم يكن سلامة ولا محيي الدين ممن يتخاذلون، ولكنه الاحتكام إلى لعبة السياسة..! ذاك الهتاف الداوي غيّر مسار الحدث، إذ كان من الممكن جداً، أن ينسرب التاريخ في سياق آخر.. بعد ظهيرة ذلك اليوم، بُثَ تعميم بين عضوية التنظيمات المشاركة في اتحاد التضامن وصلني التعميم عبر فيصل بشير- على ما أذكر- بأن الخروج إلى الشارع سيكون صبيحة 26 مارس.. هتاف (الشقيق) محمد سيد أحمد، الذي أشهد عليه، وضع السودان كله في رحلٍ جديد.. في تلك الأثناء صدر بيان للجبهة الديمقراطية بمعهد الكليات التكنولوجية جامعة السودان حالياً، يشير إلى أن الوقت غير مناسب للخروج.. لم نأخذ النصيحة من أفواه الشيوعيين، ورمينا جانباً قرار اتحاد سلامة.. ولو صبرنا قليلاً، ربما عاد النميري، ولربما تطوَّع أبو القاسم محمد إبراهيم ب (ترقيص العروس)..! خرجنا، كسحاً للأرض من سوق أم درمان.. هتفنا لسقوط مايو، أمام نواب مجلس الشعب..
اشتعل البومبان فينا، فانفتحت لنا حيشان الموردة بالماء والزغاريد..! انتفضنا، لكن غبار الوهم لم يزل عالقاً فينا.. فعلناها، وتبنى فِعلتنا آخرون، لكن معليش، (الجايات أكتر من الرايحات)..!

Exit mobile version