ما قصة البعض مع الحور العين، ولمَ يستخدمون نعيماً كرم الله سبحانه وتعالى فيه الرجل في دعواتهم وخطبهم وكتاباتهم لهداية الشباب، أو كما يقولون لاجتذابهم لجادة الصواب، ألا يعد التركيز على هذا الجانب فقط من نعيم أهل الجنة وسيلة يبتذلها البعض للأسف لدرجةٍ تسيء للدين والشرع، عبر توصيفهم الجنسي الدنيوي البحت لها، وإمعانهم في إثارة شهوة الشباب عبر سردٍ لا داعي له ولا حاجة، وبكلمات عامية سوقية.
تظهر العديد من المقاطع المنتشرة بعض من يسمون بالدعاة “ولا أميل لإطلاق اللقب عليهم”، وهم وسط مجموعات من الشباب صغار السن، أغلبهم طلبة مدارس حضروا خطبا أو مخيمات صيفية؛ يتكلمون معهم فيها وبأريحية في غير محلها، وبحماس شديد عن حور الجنة، أملاً بأن يسترعوا انتباه تلك الفئة العمرية، وأن يستصلحوها ويعملوا على توبتها مما يروه منكرات تقترفها، أو قد تفعل “افتراضاً”، لذلك توصلت مخيلتها الدعوية غير الناضجة إلى أن خير وسيلةٍ لهدايتهم هو عبر دغدغة عاطفتهم الجسدية، وإبراز لهم مدى النعيم الذي ينتظرهم، إن زهدوا في الدنيا عن المعاصي وابتغوا الآخرة.
لا أنكر ذلك، ولا أشكك فيه، وأسأل الله جل في علاه أن يجعلنا جميعاً من أهل الجنة، وأن يمتعنا بما وعده لنا حقاً، لكن السؤال الذي يجب طرحه؛ لماذا فقط التركيز على نعمة محددة من نعم أخرى لا تعد ولا تحصى سيكرم بها المتقون؟ ألا يعي البعض أن مثل هذه الطرق في استقطاب الشباب قد تكون لها آثار سلبية وخاطئة، ربما يستغلها البعض لتجنيدهم لأداء تصرفات متطرفة بعيدة عن الدين، “وإن صورت لهم خلاف ذلك”، وأشعلت فيهم الحماس ليبذلوا أرواحهم لتحقيق أجندة البعض من أصحاب الفكر الضال، والخارج عن الدين والشرع والقانون!
أذكر قبل فترة رسالة دكتوراه لأحدهم كانت عن الحور العين، ولا عيب في ذلك طالما أنها كانت لعمل دراسة وبحث عن شأنٍ ديني، ولكن ما آخذه عليها هو الدقة المتناهية في الوصف الذي ورد فيها، فحولها لمقارنة لحال من النعيم في الجنة ومقابلها الدنيوي من السمات الجسدية للمرأة بطريقة لا أرى لها داعيا أو سببا، كما أجد أن وصف نعيم الجنة بنظيره الدنيوي خطأ فادح، قد يقترفه البعض في حماسه للوصف، كما يحدث بالضبط عند الحديث عن الحور العين، يُضاف إلى ذلك أن في الجنة مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أو يمكن أن يدركه عقله، ومن هنا أجد أن المبالغة في الوصف والإسراف فيه من منطلق دنيوي فيه مجانبة للصواب، وخطأ يقع العديد فيه، ظناً منهم أنهم بما يفعلون يصفون نعيم المولى لمن اصطفاهم بأن يكونوا من سُكّان جناته، لكنهم يخلطون بين اللذة والمتعة في الدار الآخرة مع مثيلتها الدنيوية، بطريقة تتنزه عنها الأولى، فهي أسمى.
في بحثي عن الكيفية التي تطرق لها علماء الأمة ومشايخها الأجلاء، لم أر مثل أدبهم وتعففهم وحسن خلقهم في الوصف والحديث، الذي اقتصر دون زيادة على ما جاء في كتاب الله الكريم وورد في سنة المصطفى، وللشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله قولٌ سأستقي لكم كمثال بعضاً منه، حين سئل عنهن، وأترك لكم بعدها الحكم لتقرروا الطريقة المقبولة التي يجب أن نتحدث فيها عنهن، ما بين وجهة نظر بعض المسرفين ممن يدعون أنهم دُعاة، وبين قدوتنا من علمائنا الأفاضل.
حين سئل سماحته عن الحور العين في الجنة ومن أي جنس هن، أجاب:
“الحور العين نساء لا يعلم مقدار حسنهن وجمالهن إلا الذي خلقهن، ولكنهن جميلات طيبات حسان الأخلاق والسيرة، وإذا رآهن المؤمن عرف حالهن، إذا دخل المؤمن الجنة رآهن وعرف أخلاقهن وجمالهن، والحور هي الحوراء البيضاء الجميلة وحسن العين هذا من جمالها، وأما كمال الجمال يعرفه الإنسان إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها، فالمقصود أنهن نساء خلقهن الله جل وعلا لإكرام أهل الجنة، ولنعيم أهل الجنة من الرجال، ولا يعلم المادة التي خلقن منها إلا الذي خلقهن سبحانه وتعالى، بخلاف نساء الدنيا فهن ماء مهين، من رفات، ويكن بالجنة في غاية الجمال”.
للعلم وكما أن الرجال قد أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالحور كجزاءٍ حسن، فكذلك النساء اللاتي تحدث عنهن فضيلة الشيخ ابن باز في الفتوى السابقة بالقول “وتتزوج النساء في الجنة على حسب ما تقتضيه أعمالهن الصالحة، فالله جل وعلا هو الكريم الجواد، وهو الذي يزوجهن في الجنة سواء كن لأزواجهن في الدنيا أو لغير أزواجهن في الدنيا، وأما الناس فالله أعلم، جاء في هذا أحاديث فيها نظر، وأن المرأة إذا كان لها أزواج تخير فتختار أحسنهم خلقاً، ولكن لا يعلم الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، فقد تكون لزوجها وقد تكون لغير زوجها”.