في العُشْرِ الأول من شهر أبريل يجمع أتباع الطريقة البرهانية في «حوليتهم» ولما كان أتباع الطريقة البرهانية يجتمعون على شعائر ومعتقدات وأوراد طريقتهم، فإن من المناسب أن يقفوا على ما في كتبهم ومعتقدات طريقتهم ومقرراتها، ليجيبوا بجرأة عن موقف الشرع فيها.. إنها دعوة من مشفق عليهم محب للخير لهم، أن يتأملوا في حالهم وأن يخلّصوا لأنفسهم النصح. إن مما نشرته الطريقة البرهانية مما قاله محمد عثمان عبده البرهاني في ديوان «شراب الوصل» ص «45» قوله مُدّعياً مُفاخراً:
وأحصيتُ أنفاس الخلائق كلها ٭٭٭ والكل عندي شاهق وزفير
إنّ هذا الإدعاء الكاذب هو مما تواطأ عليه كثير من الشيوخ، حيث يدّعون أموراً يكون بها لفتٌ لأنظار أتباعهم، ومن خلالها يتم إحكام السيطرة عليهم، ولشيوخ التصوف أساليب ماكرة في ذلك، فانظر إلى قول إسماعيل الولي شيخ الطريقة الإسماعيلية في كتابه الذي سُمِّي «ديوان جامع الشطحات»:
وكل خشاش الأرض يعرفني بـلا توسط شخص بل هم تحت طاعتي!!
وإنّ حكمي في العوالم دائر ٭٭٭ وصار جميع الكون في طي قبضتي!!
وهنا يدّعي محمد عثمان عبده البرهاني أنه أحصى أنفاس الخلائق كلها، وفي ما أورد عمومات أراد بها أن تُصَدّق دعواه، وذلك في كلمة «أنفاس» المضافة لمعرفة، وفي تأكيده بقوله «كلها»، ثم قال: والكل عندي شاهق وزفير، ويقول أيضاً في ديوان «شراب الوصل» ص «218»:
إذا ما الأمر كان على رضانا ٭٭٭ يكون كلامنا كــــــافاً ونونــــا
إن الذي إذا قال للشيء كن فيكون هو الله سبحانه وتعالى وحده، ولا يشاركه أحد من خلقه في ذلك، إلا ما يدّعيه بعض شيوخ المتصوفة من هذه الدعوى العريضة، قال الله تعالى: «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»، وقد قال إسماعيل الولي أيضاً في ديوانه جامع الشطحات:
وألبسني مولاي حلة قهره ٭٭٭ وأيدني دنيا وأخـــرى لصــــــولتي
وخيرني في الكون مهما أشأ يكن ٭٭٭ فلا أحد غيري يفوز بخلعتي
وهل يؤيد أتباع الطريقة البرهانية هذا الإدعاء من شيخ طريقتهم محمد عثمان عبده البرهاني؟! وكيف ساغ لأتباعه وهم يطبعون مثل هذه الكتب التي بها هذا القول الذي هو مشاركة لله تعالى في ما يختص به من ربوبيته وقدرته على كل شيء؟!
ويقول أيضاً في ديوان «شراب الوصل» ص «4»:
ولي كتب الأسرار أشهد ما بها ٭٭٭ وإني عبد والعباد رعيتي
وإن علوم الله في اللوح كلها ٭٭٭ أطالعها من باب قوس الحظيرة
قلتُ: هكذا كذب شيوخ الطريقة البرهانية أنهم يحيطون بعلم اللوح المحفوظ !! فيا له من شر مستطير وافتراء على الله تعالى كبير، فكيف يكون لوحاً محفوظاً إذاً وهم يدّعون الاطلاع على ما فيه؟! وقد تقدّم في الحلقة الأولى دعوى الدسوقي أنه يمحو لما قد كان في اللوح ثابتاً !!.. وفي ديوان «رياض الجنة» لعبد الرحيم البرعي في قصيدة «قوماك نزاور» حديثه عن بعض الشيوخ الذين قال فيهم:
ولهم به سمع وأبصار بها ٭٭٭ قد يبصرون اللوح والأقلاما
وفي إدعاء شيخ الطريقة البرهانية أن له كتب الأسرار هو من قبيل دعاوى كثير من أصحاب هذه الطرق أنهم يعلمون الأسرار والمغيبات ويخبرون بها، لذلك يلجأ لهم بعض قليلي العلم والمعرفة ليخبرونهم عن أحوالهم وأرزاقهم ومناصبهم ومستقبلهم، وهو جهل ممزوج بسذاجة ونتيجته: تضييع الدين وتضييع الدنيا، فإنهم يأخذون من أموالهم ما هو معلوم مشهور!! بعد أن يوقعونهم في الضلال والانحراف العقدي بتصديقهم في إدّعائهم معرفة المغيبات، وفي التعلق بهم من دون الله تعالى خالقهم ورازقهم ومصرّف أمورهم.
وقال إبراهيم الدسوقي في «ديوان ابتسام المدامع» ص «278» جوهرة الدسوقي ص «389»:
أنا العرش والكرسي واللوح والقلم ٭٭٭ أنا الخمرة الصهباء لمن كان شارب
أنا الحب والمحبوب والكأس دائر ٭٭٭ وإني ولــــيُّ التصريف أنت المخاطب
هكذا الإدعاءات من شيوخ البرهانية!! ولا أتوقّع أن شخصاً سليم الفطرة يقبل هذا الكلام، ولكن مع ذلك نعجب أن تكون مما طبعه أتباع هذه الطريقة كتب تتضمن هذه الإدعاءات التي منها ما تجرأوا عليه كدعوى الدسوقي أعلاه من أنه العرش والكرسي واللوح والقلم !! وأنه ولي التصريف، وهذا كله من خواص الربوبية، وكل رسل وأنبياء الله تعالى جاءوا ليعلموا الناس ما يجب إثباته لربهم عز وجل وما ينزهونه عنه، ومن ذلك أنه المالك والمتصرف جل وعلا، ولكن شيوخ التصوف نازعوا في ذلك بدعاوى كاذبة وغرور عريض، وبمثل قول الدسوقي نقرأ في القصيدة المشتهرة لابن حاج الماحي وعنوانها «التمساح» قوله في ثنايا استغاثته بشيوخ التصوف من أصحاب الأضرحة المشهورة:
شي لله ذات التجــــــلي ٭٭٭ صـــاحب السر والفتح الكلي
يا الغوث الفي الكون متولــــــــي التصريف هيلك عجِّلي
وهذا من أكبر وأفسد وأضل أنواع الكذب على الله تعالى والافتراء عليه، إذ فيه الجمع بين نسبة خصائص الربوبية لمن استغاث به، فجمع بين شرك الربوبية والألوهية، ومع ذلك تردّد هذه القصيدة في كثير من وسائل الإعلام. ويقول الدسوقي أيضاً كما في ديوان «ابتسام المدامع» ص «279»:
ملكت بلاد الله شرقاً وغربــاً ٭٭٭ ولو شئت أهلكت الأنام بلحظة
قلتُ: لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد المالك عز وجل، ما هذا؟! أين أتباع هذه الطريقة؟! كيف يدعي الدسوقي أنه ملك بلاد الله ــ شرقاً وغرباً، والمَلِكُ والمالك هو الله تعالى وحده ؟! «قل اللهم مالك الملك» وكيف يُهلك الدسوقي الأنام بلحظة؟! من هو الدسوقي صاحب هذه الدعاوى؟! يا له من إجرام ويا له من مكر كبّار وافتراء على الله العزيز الجبار!! نشرته للأسف الطريقة البرهانية ووزعته في وضح النهار!! ويقول الدسوقي في نفس الصفحة:
مريدي لك البشرى إذا قمت بالوفا ٭٭٭ إذا كنت في هم أغثك بهمتي
وإن كان الدسوقي قد ادّعى هذه الدعاوى ومنها ملكه لبلاد الله!! فإنه يريد بذلك إقناع الأتباع والمريدين حتى ينادونه من دون الله ويلجأون إليه في السراء والضراء، وقد قال في ذلك في نفس الصفحة:
مريدي لك البشرى إذا قمت بالوفا ٭٭٭ إذا كنت في هم أغثك بهمتي
وإن هذه النتيجة لهي من الأمور الأساسية والأغراض الرئيسة في الدعاوى الكاذبة التي ادّعاها الدسوقي لنفسه، إذ المقصود أن يسلّم المريد ويتجه إليه في رخائه وشدته ويدعوه من دون الله، فهو يقول إذا كنت في هم أغثك بهمتي، والرب الخالق المعبود يقول: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ»، ومن يطلع على ما طبعته هذه الطريقة في منشوراتها يجد أن الدسوقي ادّعى أموراً كثيرة هي من خواص الربوبية، ومن ذلك قوله في نفس الديوان ص «311» ــ «312»:
لـــذ بالمقام وناده يا سيدي ٭٭٭ يا منقــذ المــظلوم والحيران
يا صاحب السر المقدس نظرة ٭٭٭ أنجو بها فالدهر قد أضنانـي
كم من كروب فرجت من سركم ٭٭٭ وجبرتم كســر الفقير العاني
ولم يكن غريباً أن يقول شيخ الطريقة البرهانية محمد عثمان عبده البرهاني في كتاب «تبرئة الذمة» ص «263» وهو يؤصّل دعاواهم الربوبيّة بقوله: «وكل ذلك دليل بيِّن على استبدال صفات العبد بصفات الرب»!! وأرجو أن يفيد من غُشّ فأحسن الظن بهذه الطريقة، أن يفيد من هذا النصح الموجز ويبحث عن خلاصه، وينخلع من هذه الطريقة التي جمعت ضلالات وظلمات ونشرتها على حين غفلة من حرّاس العقيدة والشريعة.. اللهم اغفر لنا تقصيرنا في بيان الحق والصدع به.