أستوقفني خبر وزيرة التأمينات الاجتماعية في روسيا البيضاء عن نية بلادها رفع سن التقاعد ثلاث سنوات بشكل تدريجي، في تعديل سيعزز اقتصادها ويساعدها على التأهل للحصول على قروض خارجية.
ونحن في السودان أيضاً صدر مرسوم من رئيس الجمهورية بتعديل سن المعاش إلى (65) عاماً بدلاً عن (60) عاماً للعاملين في القطاع العام لجملة أسباب، أهمها أن الدولة فقدت في الآونة الأخيرة بسبب سن المعاش هذه، عدداً كبيراً من الكفاءات العلمية النادرة، والعلماء لا يقاس عطاؤهم بالعمر، لذلك جاء القرار معمماً على القطاع العام دوناً عن القطاع الخاص.
قد يسأل سائل عن علاقة رفع سن المعاش بتعزيز الاقتصاد كما سألت نفسي، والإجابة بحسب الوزيرة الروسية أن بلادها طلبت قرضاً بثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ولكن الصندوق قال إن أي تمويل كهذا يستوجب أن تجري روسيا تغييرات في سياستها من بينها إصلاح نظام المعاشات، وهذا يوضح العلاقة الوطيدة بين أي تعديل في نظام المعاشات والاقتصاد الوطني لأي دولة كمتلازمة.
قبل فترة ليست بالطويلة أعلن عن اتجاه لتعميم قرار رفع سن المعاش في القطاع الخاص إلى (65) عاماً حتى يستفيد هؤلاء من هذه الميزة الجديدة، لأن العامل أو الموظف في القطاع العام هو ذات الموظف أو العامل في القطاع الخاص، فالعطاء هو العطاء وقد كتبنا عن هذا في هذه المساحة.
تدابير تعميم القرار ليصبح القطاع الخاص جزءاً منه حسبما ساقه الخبر، أنه لا بد من تنسيق مع اتحاد أصحاب العمل، المهم في الأمر أن هذا النبأ في ذلك الوقت كان بمثابة بشرى للعاملين بالقطاع الخاص بأنهم سينالون امتياز رفع سن المعاش ويكونون في حالة عطاء ممتد لخمسة أعوام أخرى، فرح الكثيرون بأن القرار سيكون على مرمى حجر، اجتماع اجتماعين وطوالي قرار، لكن لسوء الأسف تمت إحالة الحلم إلى سلة المهملات برغم أن وزارة العمل هي من تشجع لذلك.
وزير العمل الحالي بالفعل وجد على منضدته هذه الإشكالية التي تحتاج لإعادة النظر لكنه لم يحركها وتركها ملغاة كما هي، فخيب آمال الآلاف من الذين باتوا في رصيف المعاش بسبب تباطؤ الخطوات.
ليس من مصلحة البلد أن تفقد خبرات هم في عز العطاء بسبب تشريع لا ينظر إلى الأمور بحقها ومستحقها، وكما تحدث أساتذة الجامعات من قبل بأن سن الستين هذه باتت عز العطاء، ففيها يصل الأستاذ إلى درجة الدكتوراة أو الأستاذية وتزداد خبرته ويكون تلاميذه في حاجة أكبر له.
حدثني أحد المعاشيين بالقطاع الخاص من الذين أطاح بهم القرار الاستثنائي، أنه يعمل بشركة هندية في مجال البترول وأنها متمسكة به لكن القرار الذي استثنى القطاع الخاص حال بينه وبين استمرار خدمته وأصبح في رصيف المعاش رغم تمتعه بصحة وقدره عالية على العطاء، وأن الشركة لا تريد أن تتصادم مع القوانين والقرارات الوطنية، أمثال عمنا هذا كثر، فقد فقدوا الأمل بدفن مقترح معالجة سن المعاش للقطاع الخاص في طاولة المهملات، مطلوب من الوزير أن يعيد الأمل لهؤلاء الذين سيخطفهم وخطفهم قرار سن المعاش.. والله المستعان.