لن يكون لكل (فاضي) من عمل خلال الفترة المقبلة إلا أن يعمل (قاضي)، بل وقد يصبح الخصم والحكم في آن، ويحكم بـ(الجهل) بدلاً عن أن يحكم بـ(العدل) بعد القنبلة التي فجرتها قبل يومين، شبكة (إيه بي سي) الإخبارية الأمريكية، في ما عرف بـ(فضيحة وثائق بنما)، بعدما ذكرت الشبكة الأمريكية أن شركة “موساك فونيسكا” الرائدة على مستوى العالم في مجال الخدمات القانونية، تحولت إلى أكبر مصدر للوثائق المسرَّبة التي تمس العديد من الدول والكثير من الشخصيات العامة في العالم.
خطورة ما جاء في تقرير شبكة الأخبار الأمريكية كان (اتهاماً) لشركات الخدمات القانونية، والبنوك الكبرى، ببيع أسرار عملائها من السياسيين والمحتالين، ومهربي المخدرات والمشاهير ونجوم الرياضة.
التقرير كشف أن حجم الوثائق المسربة من شركة “موساك فونيسكا” التي حصلت عليها صحيفة “زود دويتشة تسايتونج” الألمانية وصل إلى إحدى عشرة ألف وثيقة، وقد تمت مشاركة هذه الوثائق مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية.
الوثائق تحتوي على رسائل بريدية وحسابات بنكية وسجلات عملاء، يعود تاريخها إلى أربعين عاماً ومن بين أولئك العملاء أثني عشر من قادة العالم، جاء من يبنهم الرئيس السوري “بشار الأسد”، والروسي “فلادمير بوتين” والنخبة الحاكمة في الحزب الشيوعي الصيني!
أما المفاجأة الكبرى، فكانت في ورود اسم المغفور له بإذن الله تعالى، السيد “أحمد الميرغني”، رئيس مجلس السيادة قبل انقلاب الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989م.. إذ لم يخطر ببال أي مواطن سوداني أن يكون مثل هذا الكشف متضمناً لاسم قائد أو رئيس سوداني سابق، حيث إن البكاء على نزاهة رؤساء الأمس وقيادات الماضي، مازالت تعشعش في عقولنا، وتسيطر على مجمل تفكيرنا، ولازال الناس يتبادلون حتى يومنا هذا كشف حساب الراحل “إسماعيل الأزهري” في أحد البنوك، أو صورة من شيكه المرتد (RD) من حسابه بقيمة مائة جنيه، بتوقيع الزعيم الراحل الذي مات مثلما عاش فقيراً يقطن في منزل مملوك لأسرته، وقد تنازلت له السيدة والدته عن نصيبها في ذلك البيت، وفق رواية سمعتها من شقيقه الأصغر الأستاذ “صلاح الأزهري”.
ولازال الناس يتداولون حتى يومنا هذا خروج جثمان الفقيد القائد الاتحادي والدينمو “يحيى الفضلي” من أحد بيوت الأوقاف، حيث كان يقيم هو وأسرته الكريمة، وكيف أن (مصاريف المأتم) لم تكن متوفرة لتلك الأسرة الشريفة، وأن السيد “الصادق المهدي” أسهم حال إبلاغه النبأ لحظة الوفاة بدفع مبلغ (13) جنيهاً لتجهيز الجثمان.
ولازلنا نردد مثل هذه القصص والحكايات، وكلها صحيح، ومن بينها أن الراحل نصر الدين السيد – رحمه الله – مات وخرجت جنازته من أحد منازل الشعبية بالخرطوم بحري، وهكذا.
أولاً لابد من إشارة مهمة وهي أن ورود اسم الراحل السيد “أحمد الميرغني” ضمن الأسماء المسربة لا ينقص من قدره شيئاً لسببين، الأول أن ربط اسم “الميرغني” بالشركة المذكورة جاء في العام 1995م، وهو لم يكن في السلطة بل كان في منفاه بعد أن زال عنه بريق الحكم والسلطان.. والثاني هو أن كل السودانيين يعرفون ثراء السيد “أحمد الميرغني” قبل أن يصبح رئيساً، فهو (وارث) مع شقيقه السيد “محمد عثمان الميرغني”، لثروة طائلة تركها لهما والدهما السيد “علي الميرغني”، (عقارات وجنائن ومزارع وأموال سائلة).. لا يهمنا من أين جاءت أو كيف تكونت، لكن الذي يهمنا هو أنها جاءت (حلالاً بلالاً) للوارثين، وقد عملا على تنمية تلك الثروات وطورا – كل على حدة – في أساليب العمل وتنمية تلك المشروعات.
لكن.. الآن سيصبح المثل واقعاً، (الفاضي يعمل قاضي)، وتبدأ محاكمة تاريخية للرجل وهو في قبره، ولا يملك إمكانية الدفاع عن نفسه.
ثم إن ما حدث ليس فضيحة وفق ما أشرنا إليه، ولكن الفضيحة ستكون بحق إذا ما انكشف المستور، وتم نشر ثروات (ناس قريعتي راحت) الذين أصبحوا ما بين غمضة عين وانتباهتها من الأثرياء والمليارديرات، دون وجه حق.. أو أساس!!