نقوش على جدار الأزمة

* ضع أمامك طاولة الصحف اليومية واقرأ… ستجد أن تسعين بالمائة من موضوعات المائدة الصحفية اليومية تتحدث عن تطلعات النخبة في الحكم والحوار والمماحكات السياسية.. فسياسيوننا.. كما ظللت أردد.. ولن أمل هذا الترديد إلى أن يملوا هم أنفسهم هذا التردي والتردد على هذه اللعبة القاتلة.. فهم طوال حياتهم على حالتين اثنتين.. إما حاكمون ويعملون المستحيل للبقاء على كراسي الحكم.. أو أنهم فقدوا هذه الكراسي ويعملون فوق المستحيل للعودة لهذه الكراسي الموءودة !!.. والعشرة بالمائة الأخرى من اهتماماتنا موزعة بين الكرة وأخبار المذيعات والمطربين والجريمة!!..
* على أن الجريمة الكبرى التى نرتكبها يوميا تتمثل في إسقاطنا لقضايا الجماهير.. على أن الأسوأ من عمليات احتدام الأسعار والأسواق هو أن يشعر المواطن أنه في واد وهموم النخب في واد آخر.. وقديما قال أهلنا في البادية: (الزول بونسو غرضو).. فالحكومة والنخب والأحزاب مستغرقون للآخر في قضايا الحوار الحزبي والإنتاج السياسي وطواحين الهواء.. ذلك لدرجة هتافات صديقنا الكتيابي.. مكاء صلاة اليمين عليك وحج اليسار إليك نفاق.. وأقطع حد ذراعي رهانا ستكبر ثم تراهم سمانا.. وثم يشد عليك الوثاق.. (فالمائدة الصحفية) ﻻ ذنب لها سوى أنها أصبحت المستهلك الأول والأكبر لإنتاح السياسيين الهواء!
* وهنا ثمة سؤال ﻻ أمل من تكراره وترديده هو الآخر.. ألا يمكن للسلطة الرابعة أن تشارك في صناعة التاريخ والأحداث؟!! بتخليها عن دور النقل المأزوم.. ومن ثم تضطلع بأدوار ريادية في صناعة الفرص وطرح والمبادرات والمشروعات الإنتاجية.. وتبني ثقافة الورش والسمنارات العملية و… و.. ساعتها ﻻ تملك الحكومة والمزاج العام السوداني الذي انصرف عن حقول الإنتاج بفعل الساسة والسياسيين.. إﻻ أن يتبعونا الكتف بالكتف والحافر بالحافر.. وحتى إذا ما طرقنا بعد ذلك أبواب أي عمليات استفتاء فإن الأولوية والغلبة لا محالة ستكون لصالح الحزب صاحب البرنامج الاقتصادي الإنتاجي.. لننتقل بعد نصف قرن من الممارسة التعددية التي تصوت لصالح التاريخ.. تنتقل لمرحلة انتخاب (صناعة المستقبل) وخدمة قضايا الأجيال القادمة.. فضلا عن ثقافة ترسيخ الإنتاج وأدبيات تحرير الغذاء.. فهذا لعمري هو الطريق الكفيل بأن يفضي بنا إلى عصر الشرعية القيمية من جهة.. ومن جهة سيوفر لنا بحول الله وقوته الاستقرار السياسي الذي نركب له الآن قطارات الجنون والمنون..
* عجبت لأمة تستورد قمحها وزيتها وبنضورتها كيف يتسنى لها توطين وترسيخ (نضارة مشروعها)؟! لنعلم جميعا أن الذي يستورد القمح لزام عليه أن يستورد قيم من يزرع له هذا القمح!!.
* على أن الطريق لصناعة دولة (الكسرة والانكسار).. دولة الكفاية والعدل والأشواق.. تبدأ بصناعة برنامج عبقري نتحول فيه من أمة المليون مطرب إلى أمة المليون تربال.. وبدل الكمنجة طورية ومحل الأورغن قصابية وبدل هذه المخلوقات الكورية.. دقاقة وكدابة زراعية.. هل نعلم أن عمارة تنهض هنا في المدينة هي حواشة افتراضية في قرية منسية؟!
* ربما يقول قائل إننا مستغرقون للآخر في بحيرة الأحلام..!!.. غير أن الذي أفظع من المسغبة والعدم هو لعمري (فقر المشاعر).. على أن كل النقلات الإنسانية عبر التاريخ تبدأ بحلم وفكرة.. فلن نسمح للنخب التي صادرت ثمرات واقعنا.. لن نسمح لها بمصادرة أحلامنا وأشواقنا والتطلع الي صناعة المستقبل..!

Exit mobile version