(107) مؤسسات إعلامية في (78) دولة، شاركت في فرز وفحص وتمحيص ملايين الوثائق السرِّية بعد أن سربها مصدر مجهول من مكتب (موساك فونسيكا) للخدمات القانونية في بنما، الذي يُعد رابع أكبر مكتب محاماة فى العالم، لمجلة (زود دويتشيه تسايتونج)، الألمانية. وبالتعاون مع الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين، عكف الجميع وعلى مدار عام كامل في فرز وتحليل وتدقيق تلك البيانات التي تتعلق بـ (موساك فونيسكا)، التي وردت إليهم داخل ذاكرة مؤقتة استخلصت منها البيانات ويبلغ حجمها 2.6 تيرابايت، رسائل بريد إلكتروني، وقواعد بيانات، وملفات (بي. دي. ف)، وملفات نصوص.
الحال، لم يكن لتلك المستندات المهمة أن تتسرب لولا الكشف عن أول الخيط، وهو شبهات الفساد التي راجت عن شركة (أونا أويل) ومقرها الرئيس في إمارة موناكو الفرنسية، وهي شركة تنشط في مجال تقديم خدمات أعمال متخصصة في صناعات النفط والغاز، حيث كشف موقع (هفينغتون بوست) الإلكتروني الأميركي، عن رشى وفساد مالي اكتنف أداء (أونا أويل)، ثم توالت الأحداث من بعد.
التحقيق كشف تورط مسؤولين حاليين وسابقين في دول عديدة ضمنها بريطانيا، روسيا، آيسلندا، والأرجنتين، العراق، السعودية، قطر، الجزائر، المغرب، فلسطين، الإمارات، الأردن والسودان.
بطبيعة الحال، شرعت كل الدول المعنية – عدا العربية والإسلامية – في إجراء تحقيقات مع من وردت أسماؤهم ضمن التحقيق (الرهيب)، الموسوم بــ (وثائق بنما أو أوراق بنما)، حيث كشف كيف يستطيع زعماء العالم وأثرياؤه ونافذوه إخفاء الأصول والالتفاف على القوانين عن طريق إنشاء شركات وهمية في مناطق نائية، لتسهيل الرشوة، وعقد صفقات الأسلحة والتهرب الضريبي، والاحتيال المالي وتهريب المخدرات.
الغريب في الأمر، إن الإعلام العربي، أورد الأسماء بطريقة منتقاة، بحيث تحاشت الفضائيات التي تتبع لدول معينة الإشارة إلى رئيس أو أمير تلك الدولة ممن وردت أسماؤهم في التحقيق، فيما لم تتورع في ذكر أسماء أخرى من دول (مناوئة)، رغم أن التحقيق منشور على نطاق واسع ويمكن لأي أحد الاطلاع عليه ولا مجال لإخفائه أبدًا.
لكن، ما يهمني هنا، وأظنه كذلك يهم جميع السودانيين هو إدراج رئيس مجلس السيادة السابق، الراحل أحمد الميرغني، حيث ورد عنه في التحقيق ما يلي: “أحمد علي الميرغني (متوفى) – رئيس السودان (1986-1989) – كانت له شركة خارجية تحتفظ بملكية شقة في لندن. وكان الميرغني مالكاً لشركة في الجزر العذراء البريطانية باسم (مؤسسة النجم البرتقالي)، تأسست في العام 1995. وفي نفس العام، اشترت الشركة عقد إيجار طويل لشقة ثمينة في لندن إلى الشمال من حديقة هايد بارك بأكثر من 600 ألف دولار. وفي وقت وفاة الميرغني، كانت له أصول في الشركة تعادل قيمتها 2.72 مليون دولار”.
إلى ذلك، وقبل أن يتصدى وينبري بعضهم للدفاع عن الراحل أحمد الميرغني، بتلك الطريقة الخطابية الهارجة المعروفة، أن يتمهلوا قليلاً، كما أن على الجهات المعنية ابتدار تحقيق قضائي حول أمر خطير ومثير، حيث أن الاتهامات متعلقة بتسهيل الرشى، وعقد صفقات الأسلحة والتهرب الضريبي والاحتيال المالي وتهريب المخدرات. لذلك ما لم يجر تحقيق قضائي، فإن صورة الميرغني وأسرته ستهتز كثيرًا بين السودانيين.