يقف المنبري الطيب مصطفى على سنة ورمح المواجهة وهو يخاطب الجميع.. (المهندس) المتهم بأنه واحد من المساهمين في هدم معبد السودان الواحد لا يتورع من النداء على المستقبل وهو يعيد تفصيل جلبابه ليصبح لائقاً بما هو آت. القيادي السابق في الحركة الإسلامية وأحد أضلاع إدارة السلطة عقب انقلاب الإنقاذ لا ينسى في غمرة انشغاله وتخطيطه للقادم أن يمد بذات المايكرفون للمنشق من المؤتمر الوطني حاملاً معه دعوته للإصلاح غازي العتباني.. الوزير السابق والممسك بعدة ملفات خاصة بتوطيد دعائم الاستقرار بما يخدم تطلعات المؤتمر الوطني.
المفارقة تبدو في أن الطيب مصطفى وغازي العتباني وفرح العقار وآخرين ممن كانوا في سفينة (الإنقاذ) يتبنون الآن دعوة العبور نحو المستقبل في تحالف جديد تتباين حوله الرؤى الآن وهو ما يدفع بالسؤال المنطقي إن كان ذلك هو المستقبل فما هو الماضي؟
مؤكد أن تحالف قوى المستقبل الهادف لإنجاز تغيير في البلاد لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن مجمل الوقائع السائدة فمعظم ممثليه أو الناشطين فيه يقفون على درجة واحدة من العداء للسلطة ولتحالف الإجماع الوطني دون تجاوز مجريات الحوار الوطني حتى اللحظة الماثلة باعتباره المسؤول الرئيس عن تبلور التحالف الذي أطلق عليه بعض قادة الحكومة بأنه لا يعدو كونه تحالفا كرتونيا.
ذات نهار ساخن كانت أصوات الشباب تخرج مطالبة بالتغيير.. يهبط الزعيم الراحل للشيوعيين محمد إبراهيم نقد في قلب ميدان أبو جنزير ويفاجأ الرجل بغياب المعارضة فيكتب على كرتونة (حضرنا ولم نجدكم).. ذات العبارة يستخدمها أحد منسوبي اليسار السوداني وهو يتجاوز الأزمة ما بين الحزب وحركة التغيير الآن ليقول إن من ينتظر مستقبلاً يتزعمه الطيب مصطفى وغازي العتباني فمن الخير له أن يبقى في الماضي.. الشاب لا يستبعد أن لا يعدو ما يحدث الآن كونه لعبة طويلة هدفها الرئيس الاحتفاظ للإسلاميين بمقاعد في المستقبل ولضمان عدم خروجهم من المولد بلا حمص.. يبدو الشاب في حالة استغراب من انخراط بعض القوى الساعية للتغيير في هذا التحالف وهو ما يعبر عن حسابات خاطئة لتلك المجموعات الحزبية.
ما يجدر ذكره هنا أن الحزب الوطني الاتحادي أحد مكونات التحالف أعلن نفض يده منه ومغادرته بل إن بعض قياداته اتهموا غازي بسرقة اسمهم والمشاركة في اجتماعات أديس أبابا الأخيرة.
قبل أسبوع كانت الصحف تستقبل بياناً ممهوراً بأسماء أعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي الليبرالي يعلنون فيه أن رئيسة الحزب ميادة سوار الدهب لا تنطق بلسان الحزب ولا تعبر عن مواقفه المعلنة.. المجموعة التي وقعت على البيان تضيف: إن كنا نقاتل مع هؤلاء فمن نقاتل؟ استفهام هذه المجموعة يبدو متعلقاً بمدى مواءمة أفكارهم السياسية مع هذه النسخة أو هو في الأصل يمضي نحو التقليل من قيمة مستقبل يصنعه من كانوا جزءاً أصيلاً من معاناة الماضي.
انفصال الجنوب.. النزاع في المنطقتين.. وتباعد شقة الخلاف بين المكونات السودانية الانقسام في القوى المعارضة.. الأزمة الاقتصادية ومترتبات الواقع السياسي، هي مجمل ما يحرك الواقع اليوم وسعي الجميع لإيجاد حلول له وهي أمور تمت صناعتها بفعل سياسات ما بعد الانقاذ، وبمشاركة هؤلاء، فكيف لمن أضاع الماضي أن يصنع مستقبلاً؟ هكذا يقول المناوئون للإسلاميين السابقين بينما يرى المنشقون بأن المستقبل الآمن لا يمكن تحصيله إلا بوجودهم واعتبارهم لاعبا أساسيا فيها.. عندها فقط يمكنك أن تعايش مستقبلا بذات الشخوص القديمة وأن تنشد في سرك: (ثم ضاع الأمس منا).
الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي