عندما تقرأ خبراً يستند على تصريح من مصدر (مأذون) أو مسؤول فاعلم أنه في الغالب (مضروب) أو إنه أفرغ من فؤاد أم موسى، ذلك أنك لا تعرف من أدلى به أو كشف عن معلوماته، أما إذا نسبته إلى قائله المعروف فإنه يصبح خبراً معتبراً يعتد به ويحتفى ويستحق أن يُتداول ويُبنى عليه ويُحترم من ظفر به صحيفة أو صحافياً.
أقول هذا بين يدي خبر نشرته إحدى الصحف بل ومنحته (مانشيتاً) عريضاً يقول (الحكومة تعد نجل الميرغني بتسليمه ملفات لإنقاذ الشراكة)، أما متن الخبر فيقول إن الصحيفة- غفر الله لها وألهمها وآلها الصواب – علمت (باتصالات أجرتها الحكومة مع مسؤول قطاع التنظيم بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ، مساعد أول رئيس الجمهورية الحسن الميرغني المتواجد بالقاهرة حالياً بشأن تحفظاته على الشراكة، وقال مصدر مأذون للصحيفة إن الحزب الحاكم وعد الحسن بإدراج عدد من الملفات تحت مهامه عقب عودته من رحلته الاستشفائية لإنقاذ الشراكة).
لكن تعالوا بنا نقرأ جانباً آخر من الخبر فقد نفى مقرر قطاع التنظيم بحزب الميرغني مالك ضرار للصحيفة علمه بعرض الحكومة على الحسن الميرغني تسلم عدد من الملفات، لكنه أكد أن اتصالات المؤتمر الوطني الحاكم بالاتحادي لم تتوقف منذ التحفظات التي أجراها الحسن الميرغني بشأن الشراكة، وقال إن الحسن لا يزال متمسكاً بتحفظاته وإنهم يريدون شراكة حقيقية ليس بالمناصب فقط وإنما بالفعل بحيث يكونون فاعلين ومؤثرين ومسؤولين تاريخياً عن هذه المرحلة.
لا أقول أكثر من (شر البلية ما يضحك)! .. بالله دعونا ندقق أو نبحث عن أية كلمة تشي بصحة هذا الخبر (المنجور) ابتغاء استثارة بعض القراء واجتذابهم لقراءة الصحيفة.. لا أحد من المؤتمر الوطني ورد اسمه في الخبر لنستفسره عمن تحدث للحسن الميرغني، كما أن مقرر قطاع التنظيم الذي يتولى الحسن رئاسته نفى علمه بالخبر، فما هي بربكم قيمته حتى يحتل المانشيتات ويشغل به الناس؟.
(إنقاذ الشراكة)! وكأن الشراكة (غرقانة) في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج، أو كأن الشراكة أقيمت أصلا من أجل تحقيق أجندة وطنية يضطلع بها الاتحادي الأصل ولم تقم لمصلحة حزبية ضيقة للمؤتمر الوطني ومصالح (خاصة) بقيادة الحزب الشريك.
متى بربكم يقر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ويعترف أنه ليس حزباً سياسياً وإنما مجرد طائفة تأتمر بأمر سيدها الذي يوجهها ذات اليمين وذات الشمال ويقلبها كما يتقلب الميت بين يدي الغاسل، بل متى ينهض مجلس شؤون الأحزاب السياسية بدوره الدستوري والوطني المتمثل في إصلاح الممارسة السياسية من خلال إنفاذ قانونه ؟.
والله إنه لمن المعيب بحق أن يتغافل مجلس شؤون الأحزاب السياسية عن دوره التاريخي الذي لن ينصلح حال الوطن ما لم ينصلح هو وينهض بدوره إعمالا للقانون واللوائح التي تأسس بموجبها ويعمل باستقلالية تامة لا تتأثر بالنظام الحاكم وأجهزته السياسية والتنفيذية.
أود أن أسأل ما هو يا ترى دور البرلمان في التحقق من قيام مجلس شؤون الأحزاب بواجبه ومن الذي يسائل المجلس عن أي تقصير في الاضطلاع بدوره؟
أقولها صادقاً إنني لست معادياً للحزب الاتحادي الأصل أو لأي من الأحزاب الأخرى بل أني أريد لذلك الحزب التاريخي الذي أراه يترنح ويتهاوى يوماً بعد يوم أن ينهض وينطلق سيما وأنه يستند على قاعدة صلبة هي الطائفة الختمية ذات الجذور الراسخة في التربة السودانية، وعندما تولى الحسن الميرغني زعامة الحزب بعد مغادرة والده البلاد قبل نحو سنتين ونصف تفاءلنا كثيراً بأن ذلك الشاب الممتلئ بالحيوية والذي تلقى تعليماً جامعياً في احدى قلاع الديمقراطية (امريكا) سيُحدث ثورة في أداء حزبه ليحيله إلى كيان ديمقراطي حقيقي يعبر عن تلك القيمة العظيمة المجسدة في اسمه، ولكن سرعان ما تحول ذلك الأمل الكبير إلى خيبة عظمى جعلت الحسن يخلط الحابل بالنابل ويقدم العربة على الحصان مقدماً النوافل على الفرائض وخالطاً بين الأولويات ومنشغلاً بتوافه الأمور وسفسافها، فخاض معارك دونكيشوتية مع النخب التاريخية التي ظلت تبذل وتضحي من أجل الحزب قبل مولد الميرغني الصغير الذي لم يكتف بفصل تلك القيادات إنما أساء إليها وأطلق عليها ألقاب التحقير والازدراء عاكساً صورة سيئة عن شخصيته التي تكشفت عن شخص ناكر للجميل لا يوقر كبيراً ولا يحفظ ود أبيه وكبار أسرته.
ها هو الحسن يغادر إلى القاهرة قبل عدة أشهر وقبل ذلك غادر أخوه جعفر إبان تقلده منصب مساعد الرئيس ومكث في لندن إلى أن حل أخوه الحسن محله في المنصب الرفيع وبدرجة أعلى.. لا أحد يسائله أو يسائل من نصبوه عن السبب الذي يجعله يشغل منصباً دستورياً رفيعاً على حساب دافع الضرائب السوداني المغلوب على أمره.
اقول لبني وطني: أرجو ان تسمحوا لي بأن أنعى إليكم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فإنا لله وإنا اليه راجعون، وهكذا سنن الله الماضية ذلك أن ما لا يتجدد يتبدد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.