عمال “الدردقات” …… الحلقة الثالثة
عندما يبلغ الظلم مداه ويبتلع الأرزاق
الكشف عن “مافيا” تقاسم عمال “الدرداقات” أرزاقهم
* أطفال الدرداقات يدفعون 21 جنيهاً قبل بدء العمل بالسوق المركزي
* اتحاد عمال ولاية الخرطوم ينفي علاقته بمتعهدي “الدرداقات” ويطالب بالتحقيق في الأمر
* آدم فضل يكشف عن مقاومة وتسويف من نافذين وسياسيين وأصحاب مصالح حتى لايضع الاتحاد يده على عمل “الدرداقات”
* اتحاد العمال يتجه لفتح بلاغات في مواجهة من يتحصلون الرسوم باسمه
* العاملون بالدرداقات في ولاية الخرطوم عددهم 5 آلاف 60% منهم أطفال
* اتفاق اتحاد العمال مع تشريعي الولاية بأن تكون قضية العاملين بـ”الدرداقات” أولوية في الفترة المقبلة
* “الجريدة” تكشف عن عن استمرار تحصيل رسوم “الدرداقات” بسوق بحري رغم قرار المعتمد بوقفها
* المحلية تتحصل مبلغ 10 جنيهات من عمال الدرداقات بإيصالات تحمل تاريخ قديم
* مسؤول السوق يكشف عن خلل في نظام التحصيل الالكتروني بوزارة المالية
* تصاديق وعطاءات متعهدي الدرداقات أوقفت منذ أبريل الماضي
كشف تحقيق أجرته “الجريدة”- نشر الجزء الأول منه الأسبوع الماضي- عن نشاط عمل “الدرداقات” العديد من التجاوزات التي “مافيا” تقاسم العمال البسطاء عرق جبينهم من خلال إجبارهم على دفع رسوم بغير وجه حق، وتحتكر تلك الجهات العمل في مجال “الدرداقات” لصالح أشخاص محددين وتمنع الآخرين من ممارسة العمل بـ”الدرداقات” التي يمتلكونها.
وكشف التحقيق أن الاحتكار تم من قبل مجموعات محمية بنافذين تتحصل رسوم تأجير “الدرداقات” من العمال.
مخالفة للقوانين الإدارية
وحسب متابعات “الجريدة” إن تأجير “الدرداقة” في محلية أمدرمان يبلغ 15 جنيه في اليوم، وفي محلية بحري السوق المركزي 21 لليوم، وفي بحري السوق 17 جنيهاً، ومحلية الخرطوم 15 جنيهاً، واتضح من خلال التحقيق الذي أجرته “الجريدة” بكل المحليات أن هنالك ما يعرف بالمتعهدين الذين تتعاقد معهم المحليات بحجة أن بعضهم يتبعون لاتحاد العمال بولاية الخرطوم، الذي نفي علاقته بهولاء المتعهدين بأسواق المحليات، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات للعاملين في “الدرداقات”
وحسب تحقيق “الجريدة” إن التجاوزات تمثلت في عدم تنفيذ قرار والي الخرطوم السابق، الذي قضى بايلولة “الدرداقات” للاتحاد العام للعمال، الذي اشتكى من المماطلة والتسويف التي تمارسها المحليات حتى تبقي رسوم “الدرداقات” تحت يدها.
كما كشف التحقيق أن المتعهد يتحصل ما بين “15و21” جنيهاً يومياً رسوم ايجار بدلاً عن 19 جنيهاً في الشهر حسب القوانين الايرادية التي أجازها مجلس تشريعي ولاية الخرطوم في عام 2014.
* في محلية بحري:
في محلية بحري تختلف أسعار ايجار الدرداقة عن بقية محليات ولاية الخرطوم، حيث يوجد في مدخل السوق المركزي متعهد الدرداقات الذي يأخذ 15 جنيهاً من الأطفال كإيجار، وموظف المحلية الذي يجبرهم على دفع 6 جنيهات كرسوم دخول للسوق تتحصلها المحلية من العاملين قبل دخولهم له، الأمر الذي زاد من معاناة العاملين في مجال الدرداقات.
أطفال :
عند مدخل السوق لا يمكن رؤية عربات الدرداقات التي توارات في آخر السوق، وتحديداً الجانب الجنوبي منه، خاصة إذا ذهب الشخص إلى السوق في زمن الفطور.
وعلى الجانب الجنوبي من السوق يتخذ فيه العمال “درداقاتهم” كأسرة للراحة في ظل بعض الدكاكين التي يلجأون إليها لحمايتهم من حر الشمس، وقال كل من العامل عبد الرازق مصطفى وهو طفل يدرس بالصف السابع -مرحلة الأساس، ومنتصر عمر، الذي يدرس بالصف الثامن وأحمد مالك، أنهم جاءوا من منطقة “ود عشانا” بغرب البلاد إلى الخرطوم من أجل توفير مصاريف متطلبات الدراسة، وذكر الأطفال أن العمل بـ”الدرداقة” يبدأ منذ الثالثة صباحاً، ويستمر حتى صلاة المغرب، وأوضح أطفال “الدرداقات” انهم يستأجرون “الدرداقة” في اليوم بمبلغ 15 جنيهاً من المتعهد، وقبل دخولهم إلى السوق يدفعون مبلغ 6 جنيهات كرسوم دخول للسوق لصالح المحلية، وذكر الأطفال أن غالبية البضائع التي يحملونها عبارة عن “الخضرة والرجلة والفاكهة”، وأحيانا توابل وزيوت وخلافها من السلع الاستهلاكية.
وأشار الأطفال إلى أن سعر المشوار يترواح ما بين “3-5” وذلك حسب الزبون، وأحيانا هنالك زبون يدفع مبلغ 10 جنيهات ويترك الباقي “بقشيش”، وقال أحد الأطفال إن الدخل الذي يتحصله يتم توزيعه على وجبة الإفطار بمبلغ 10 جنيهات، مشيراً إلى أنه يتحصل من الصباح وحتى زمن الإفطار مبلغ 30 جنيهاً، وقال “يكون لديه عجز جنيه” وحكى إنه يشعر بالكسل عقب تناول وجبة الإفطار، وقال “الزول بكون حيلو مات” ولايقوى على العمل بنشاط فترة ما قبل الإفطار، مما يؤدي إلى ضعف التحصيل المادي لعربة “الدرداقة” التي تحتاج لمجهود عضلي يتراجع عقب تناول “البوش” وأكدت مجموعة من الأطفال تحدثت لـ”الجريدة” أنهم في أوقات كثيرة لايتناولون وجبة الإفطار ولا يملكون ثمن ايجار الدرداقة، مما يضطرهم أحيانا يبقون بدون عمل، وذكروا أنهم يأكلون وجبتين فقط في اليوم.
اتحاد العمال:
نفى اتحاد العمال بولاية الخرطوم وجود أي علاقة له بالتعاقد مع متعهدي إدارة وتحصيل رسوم الدرداقات بأسواق الولاية، وطالب بالتحقيق العادل والعاجل في الأمر، واتهم من وصفهم بـ”المافيا” بتحصيل أموال من العاملين بـ”الدرداقات”، وذكر أمين علاقات العمل باتحاد عمال ولاية الخرطوم آدم فضل لـ”الجريدة” إن الضباط الثلاث للاتحاد لم يفوضوا او يتعاقدوا مع أي شخص لتنظيم وتحصيل رسوم الدرداقات، وقال إن هنالك مقاومة وتسويف من نافذين وسياسيين وأصحاب مصالح حتى لايضع الاتحاد يده على إدارة الدرداقات، وأضاف أن هنالك “مافيا” تتحصل الرسوم من الغلابى، وأطلق على ما يتم بانه سخرة، وطالب بلجنة للتحقيق العادل والعاجل في الأمر لمحاسبة من أسماهم بالمافية، وكشف عن اتجاههم لفتح بلاغات في من يتحصلون الرسوم باسم الاتحاد، وأعلن عن اتفاق مع المجلس التشريعي للولاية بان تكون الدرداقات والعاملين فيها أولوية في الفترة المقبلة، وكشف عن اجتماعات مكثفة لمعرفة عدد العاملين ودراسة كافة الجوانب والوقوف على مشاكلهم لحلها، خاصة فيما يتعلق بالرسوم، ونوه إلى أن محلية بحري تتحصل مبلغ 21جنيهاً يومياً بدلاً من 19 جنيهاً في الشهر، وقال أمين القطاع الحر والحرفي باتحاد العمال ولاية الخرطوم عثمان ميرغني لـ”الجريدة” إن من أهداف العمل النقابي حماية حقوق العاملين، خاصة الفئات المستضعفة، وإزالة الظلم عنهم وإعادة الحقوق إليهم ورفع الظلم عنهم، وأضاف أن الاتحاد اجتمع بالوالي السابق وشرح له الظلم الذي يقع على عمال “الدرداقات”، خاصة صغار السن، وكشف أن عدد العاملين بالدرداقات في الولاية 5 آلاف عامل، 60% منهم أطفال، وذكر ميرغني أن النسبة الأعلى للعمال في أسواق أم درمان وليبيا وأبو زيد.
حبر على ورق:
بالرغم من إصدار معتمد بحري قراراً يقتضي بمنع تحصيل رسوم للدراقات الأحد الماضي، كشفت زيارة لـ”الجريدة” عن استمرار تحصيل رسوم الدرداقات المحددة بمبلغ 17 جنيهاً بسوق بحري مع تنفيذ القرار بالسوق المركزي شمبات.
وقال العامل في مجال “الدرداقات” عيسى عبد الله محمد إن محلية بحري مازالت مستمرة في تحصيل الرسوم اليومية البالغ قدرها 17 جنيهاً، بالرغم من صدور قرار من المعتمد بمنع تحصيل الرسوم بمحلية بحري.
وقال “مازال المتعهدون يتحصلون منا رسوم على ايجار الدرداقة يومياً، مما يعني أن القرارات حبر على ورق واستعراض إعلامي لا أكثر ولا أقل”، وطالب عيسى المعتمد بزيارة السوق ليقف بنفسه على تجاوز قراراته.
وقال الطفل عبد الوهاب بريمة، الذي يبلغ من العمر 10 أعوام أنه بدأ العمل منذ أسبوع مع بداية الإجازة، ويقوم بدفع مبلغ 17 جنيهاً يومياً بدون ايصال، معتبراً أن ذلك المبلغ كبير مقارنة مع تحصيله اليومي ولايغطي تكاليف مصاريفه اليومية.
قرار المعتمد:
كشف معتمد الخرطوم بحري اللواء ركن حسن محمد حسن إدريس عن إلغاء عقودات متعهدي “الدرداقات”، التي يعمل بها نحو 500 طفل بأسواق مدينة الخرطوم بحري، واتاحتها مجاناً مقابل التزام الأطفال بارتياد مدارس محو الأمية، وقال إدريس في تصريحات صحفية الأحد الماضي إن القيمة الاجتماعية تعلو على القيمة المادية، ولذلك قررنا أن نتيح الدرداقات مجاناً لعدد 500 طفل يعملون بالسوق المركزي شمبات والمحطة الوسطى بحري، وأضاف “لايمكن أن تعتمد المحلية على تحصيل رسم مالي عبارة عن 15 جنيهاً من الأطفال يومياً، وهم ينحدرون من عائلات فقيرة وكادحة”، وأشار إدريس إلى أنه يتابع مجانية عمل الأطفال على الدرداقات بنفسه أسبوعياً، ويزورهم في السوق المركزي للخضروات بضاحية شمبات والمحطة الوسطي، ويستفسر الأطفال عن أي مضايقات يتعرضون لها، وافصح عن إنشاء فصلين للدراسة داخل السوق المركزي شمبات لاستيعاب الأطفال العاملين بـ”الدرداقات” حتى يتأهلوا تعليمياً وينخرطوا في المجتمع بشكل مفيد.
إلغاء عقد المتعهد:
وذكرت مجموعة من العمال الذين تحدثوا لـ”الجريدة” عن تحصيل محلية الخرطوم مبلغ 10 جنيه عقب إلغاء المحلية لعقد المتعهد بتاريخ 21 مارس الماضي، كاشفين عن تحصيل الرسوم بايصالات بأثر رجعي، ويوضح ايصال لأحد العاملين أن الرسوم محصلة بتاريخ 31/7/ من العام ،2014 مع ملاحظة أن تاريخ التحصيل كان بتاريخ 22/3/2016، وبرر مسؤل السوق ذلك بخلل في نظام التحصيل الالكتروني بوزارة المالية، وقال “لكن الايصال يسجل في وزارة المالية بذات التاريخ” وذكر أن الأجهزة الخاصة بالتحصيل الالكتروني في بداية كل عام تعاني خللاً وتسجل الايصالات بتواريخ قديمة، وعزا ذلك الخلل إلى عدم برمجة الأجهزة من قبل المتحصلين.
مع مدير السوق:
السوق المركزي للخضر والفاكهة بدأ نشاطه في العام 1992 وتبلغ مساحته 33 ألف متر مربع وتوجد به أربع مداخل ويحتوي على 350 دكاناً تعمل في مجال الخضر والفاكهة و30 ثلاجة تأتيها الخضر والفاكهة من كافة ولايات السودان كسلا، ونهر النيل، النيل الأبيض والنيل الأزرق وغيرها.
كشف مدير السوق المركزي بشمبات سيد المجيد عن عمل أكثر من 130 طفلاً في السوق، وفقاً للدراسة التي قاموا بإجرائها، موضحاً أن الدراسة كشفت أن هنالك أطفال لايستطيعون شراء درداقات، وأشار إلى مناشدة لديوان الزكاة لدعم الأطفال الذين يعجزون عن شراء الدرداقات، وقال “نحاول البحث عن جهات تدعم الأطفال الذين يعملون في مجال “الدرداقات لأن الظروف الاقتصادية أجبرتهم على العمل، وأغلبهم من المناطق الطرفية والولايات المختلفة” وقال “يجب أن تساهم كل الولاية في كفالة الأطفال من خلال الضمان الاجتماعي، ودعا ديوان الزكاة لتوفير تمويل لشراء درداقات لإنهاء عمل مافيا الدرداقات”، وأشار إلى ضرورة إدخال الأطفال في مظلة التأمين الصحي والإسهام بتدريسهم، وكشف عن فك احتكار الدرداقات بالسوق المركزي شمبات بالنسبة للمتعهدين والشركات والتجار، على أن تكون الدرداقة ملك للأفراد من العاملين، وذكر إن بداية أبريل الحالي ستشهد تطبيق قانون المجلس التشريعي والقاضي بتحصيل مبلغ “19” جنيهاً شهرياً، وأشار إلى مقترح بإعفاء الأطفال من الرسوم الشهرية مقابل حملهم “دورين نفايات” من داخل السوق، وكشفت “الجريدة” عن وجود ايصالات بتاريخ قديم، وذكر أن نشاط السوق يبدأ منذ الساعة الرابعه صباحا وحتى الثامنه مساء، وأوضح أن إدارة السوق تسلمت عملها في العام الماضي من خلال توصية بأيلولة العمل في مجال الدرداقات إلى الاتحاد، وقال “للأسف ماقام به المتعهد حتى قبل أكثر من أسبوع كان دون وجه حق، بالرغم من تحذيراتنا له”، وأشار إلى أن المتعهد يدفع مبلغ “35,200” جنيه شهرياً.
وكشف مسؤول السوق عن توقف تصاديق المتعهدين الخاصة بالعطاءات منذ أبريل الماضي، معتبراً أن عائد الدرداقات يعد مورداً مهماً من موارد المحلية، وذكر أن المتعهدين يستغلون عمال الدرداقات في مواسم الأعياد والمناسبات ويصل ايجار الدرداقة إلى 20 بدلا عن15 ، وأشار إلى أن السوق المركزي بشمبات يختلف عن بقية الأسواق، وفي رده على سؤال الجريدة حول الرسوم التي يدفعها العاملون بالدرداقات والمقدرة بمبلغ 6 جنيهات في بوابة السوق، قال إن ذلك يتم وفقا ًللمرسوم رقم (2) الصادر من المجلس التشريعي فيما يتعلق بالجباية الخاصة بالتجارة، والتي يدفعها صاحب الخضار الذي يقصد السوق بهدف التسوق ولايدفعها العامل، وقد ذكرت له “الجريدة” أن العمال الذين تم استطلاعهم أفادوا بأنهم يقومون بدفع مبلغ الـ6 جنيهات لموظف المحلية عند البوابة قبل دخولهم للسوق وفي حال عدم الدفع يمنع العامل من دخول السوق، وأجاب قائلاً “نحن نفرضه على القادمين للسوق بهدف التسوق أي التجار كرسوم خدمات”، موكداً أن السوق يورد لمحلية بحري مبلغ 363 ألف جنيه شهرياً، مبيناً أن هنالك عجزا ًفي الايراد في فصل الخريف، مطالباً بضرورة تأهيل وتطوير الطرق ومصارف مياه الأمطار.
تحقيق: لبنى عبدالله\نسيبة فرحان
صحيفة الجريدة