لكن في البداية، وقبل أن نلتفت إلى أنفسنا لنقوِّم اعوِجاجها تحت العنوان (علينا)، نُريد الذهاب إلى (حوالينا) حيثُ وزيرة التربية والتعليم (سعاد عبد الرازق)، التي كشفت أمس عن مغادرة (أفراد/ عناصر) من الشبكة التي حاولت تخريب امتحانات الشهادة السودانية، بحسب تعبيرها. ونتسائل، كيف حدث ذلك؟ وننتظر الإجابات كلها، تأتي (حزمة). ننتظرها إلى أن يكف عن دوارهِ المكان، رغم أننا نعلم استحالة تحقق ذلك.
ومن أنباء سعاد، أنها بعد أن كشفت ذلك – كما ورد في عديد يوميات الخرطوم الصادر أمس – (لفتت) إلى أن من يطالبونها بالاستقالة (فالرأي لهم). وهأنا أعلن أنني لم أفهم ما قالت سُعاد، ولأن واجب على من لا يفهم أن يسأل، فهأنذا أفعل، هل تنوي الوزيرة تقديم استقالتها كونها تتحمل مسؤولية ما حدث، أم لن، و(ألفت) أيضًا إلى أن (الرأي لها).
ثم نترك سعاد وشأنها، تقرر ما تراه صوابًا، ونأتي إلى أنفسنا حتى لا يُقال لنا، مالكم أفلا تبصرون، وهذا ما أطلقت عليه آنفًا، كلمة (علينا)، وتحتها يوجد الكثير المثير، لكن لنبدأ من كلمة (لفت) المستخدمة في لغة الأخبار لفَت بمعنى شدَّ وجذب، “لفتت الوزيرة إلى….”، مع أن الفعل (لفت) لا يستخدم إلا بمعنى (صرف وأبعد)، قال تعالى على لسان قوم إبراهيم “أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا”، وبالتالي فإن عبارة (لفت) فلان أو لفتت فلانة، المُحتفى بها في صحافة الخرطوم تفضي إلى معنى آخر المنشود منها.
والحال، أن تعديَة الفعل أكَّد بحرف الجر (على)، خطأ شائع عندنا، كأن نكتب جملة على نحو من “أكَّد فلان على ضرورة تعاون الجميع لتدارك الأمر”، والصحيح أن الفعل يتعدى بغير حرف الجر، كمثلِ: “أكَّد فلان ضرورةَ تعاون الجميع…. إلى آخر الجملة”، ليس ذلك فحسب، فانظروا إلى كيف توظف لغة الأخبار الصحفية الاعتذار لعكس ما يُعتذر عنه، فيكتبون “اعتذر فلان عن حضور الاجتماع”، والصواب: اعتذار عن الغياب، أو اعتذر عن عدم الحضور.
بطبيعة الحال، وأنا منخرط في هذا الصدد، أجد نفسي مضطرًا إلى عرض طائفة أخرى من عينة الأخطاء الشائعة في لغة الأخبار، كاستخدام بعض الأفعال مثل (استشهد، هرع، احتضر) مبينة للمعلوم، مع أنها مبنية للمجهول بطبيعتها، لكن الأشد مضاضة في هذا سياق (علينا) هذه، هو ما يمكن أن نطلق عليه (نفي الوجوب)، وهذا نوع مستحدث على اللغة، كأن نقول: “لا يجب على الصحافي أن يغفل عن دوره”، فيما الصحيح هو، وجوب النفي، على نحو من “يجب على الصحافي ألاّ يغفل عن دوره”، لأن الجملة الأولى إن نفت الوجوب فإنها حتمًا ستتَّسع للجواز.
إلى ذلك، فلن يأبه أحد ما إذا لفتت الوزيرة أم نبّهت، طالما، بعض (الغشاشين) (هربوا) بليلٍ، وهي (ماكثة) لا تبارح، لكن، رغم ذلك يجب على الصحافة ألاّ تغفل عن دورها.