> عندما كنت أشارك في الكتابة لصحيفة «الاتحادي» المعبرة عن المعارضة السودانية من المنفى بالعاصمة المصرية القاهرة في تسعينيات القرن الميلادي العشرين الماضي، كانت لدي نسخة من دورية «شؤون الأوسط» التي نشرت مادة توثيقية مهمة حول تفاصيل المواجهة الساخنة التي تعرض لها الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية للنخبة السودنية الحديثة والمعاصرة وملهمها ومرشدها الراحل شيخنا الجليل المرحوم د. حسن الترابي، وذلك على النحو الذي جرى من قبل مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي، أثناء الزيارة العاصفة والمثيرة التي قام بها الراحل الترابي إلى امريكا في عام 1992م، ثم توجه منها الى كندا، حيث تعرض لمحاولة اغتيال آثمة في الاعتداء عليه من قبل المحترف السوداني الشهير في ألعاب القوى ورياضة الكاراتيه هاشم بدر الدين في ذلك الحين.
> وقد فقدت تلك النسخة، وظللت أندم عليها، ولم أفلح في العثور أو الحصول على نسخة أخرى منها، حيث كنت قد منحتها في ذلك الوقت لأستاذنا الصحافي الجليل الأستاذ النبيل إبراهيم عبد القيوم رئيس تحرير صحيفة «الاتحادي» لدى صدورها بالقاهرة، وقد كان هدفي من منحها له حينها هو أملي في أن تتم الاستفادة من المادة التوثيقية المهمة المشار إليها والمنشورة فيها، بيد أن ذلك الأمل لم يتحقق، ثم حال تقديري الشخصي المستحق لأستاذنا الكريم ابراهيم عبد القيوم دون تحقيق رغبتي في استعادتي تلك النسخة التوثيقية المهمة منه في ذلك الوقت.
> وقد استعادت ذاكرتي هذه القصة في سياق ما أخذ يتداعى لدى شروعي في العودة المتعمقة في تمعنها وتأملها للدلالة ذات المغزى البعيد المدى التي ينطوي ويحتوي عليها ويشير إليها القصف الصاروخي العدواني الأمريكي على مصنع الشفاء لصناعة الدواء البشري والبيطري بالخرطوم في عام 1998م، وذلك من حيث ما سعى ورمى إليه ونجح وأفلح فيه، كما أرى ذلك القصف، في ما يتعلق بالهدف منه على النحو الذي تحقق بالفعل، وتجلّى في الذي أدى وأفضى إلى ما تسمى المفاصلة المهلكة والساحقة والمدمرة للحركة الإسلامية المؤسسة للسلطة الحاكمة القائمة منذ نجاحها في الوصول إليها بانقلاب ثوري مدني وعسكري أفلحت في إقدامها على القيام به في الثلاثين من يونيو 1989م.
> وبناءً على ذلك نواصل الإشارة إلى ما شرعنا في التطرق له والطرق عليه، في سياق مثل هذا الإطار للرؤية التي دفعتنا للعودة إليها الإفادة التي ادلى بها لنا رجل ذكر انه كان وكيلاً لوزارة الثروة الحيوانية عندما تعرض مصنع الشفاء لذلك الاعتداء الامريكي عليه على النحو الذي ذكر ذلك الرجل ان لديه معلومات مثيرة عنه وتفسيرات كثيرة له.
> وبالإضافة إلى ما اشرنا له أمس، فلعل هذه مناسبة للاشارة الى ان عام 1997م الذي شهد إبرام ما تسمى اتفاقية الخرطوم للسلام مع المجموعة المقتدرة التي كانت منشقة عن الحركة الشعبية المتمردة وضاغطة عليها بشدة وحدة بالغة الوطأة، هو ذات العام الذي شهد إصدار القرار الأمريكي الرسمي والرفيع المستوى الذي قضى بفرض عقوبات اقتصادية أمريكية ضاغطة على السلطة الراهنة الحاكمة بالسودان، وهادفة لمحاصرتها لأقصى درجة ممكنة، حيث نرى وجود علاقة بين هذا وذاك على نحو ربما لا يخفى على كل من ينظر برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة في وعيها واستيعابها المدرك بإحاطة شاملة للسياسة الأمريكية المعادية والمناهضة للسلطة الحاكمة الراهنة، وما يكمن فيها وترمي له وتسعى متطلقة إليه، وتعمل متمادية في التفاني من أجله وفي سبيله.
> وكذلك فلعل هذه مناسبة سانحة وصالحة للإشارة، في سياق ذات الإطار للرؤية المتعمقة في تمعنها، إلى ما ورد في الإفادة التي أشار إليها المحرر الصحفي الصاعد والملفت للنظر بتميزه، عزمي عبد الرازق في احدى حلقات التحقيق والتحليل الدقيق التي شرع في نشرها بالزميلة صحيفة «اليوم التالي» الغراء، حيث أشار في تلك الحلقة الى التحذير الذي ذكر انه تم توجيهه من السفير الأمريكي بالخرطوم حينها دونالد بيترسون إلى وزير الخارجية السوداني الأستاذ علي عثمان محمد طه في تلك الفترة والمرحلة الفاصلة، مما أدى الى المسارعة بإبعاد مؤسس وزعيم ما يسمى تنظيم القاعدة الراحل المرحوم أسامة بن لادن من السودان، وإعادته الى جبال أفغانستان بطائرة خاصة، حيث جاء ذلك بناءً على التحذير الأمريكي الذي نقله السفير دونالد بيترسون الى الاستاذ علي عثمان، وذكر فيه أنه تلقى تكليفاً بنقله إليه.. ونواصل غداً إن شاء الله بالاشارة إلى ما جاء في الإفادة المثيرة التي ادلى بها القيادي الإسلامي د. محمد محيي الدين الجميعابي في هذا الصدد وبهذا الخصوص.