بالطبع، وكعادة الإسلاميين، خاصة الحركيين منهم، يفجر الصافي جعفر (قنبلة فسفورية) ملونة، في حوار الزميل عزمي عبد الرازق معه، المنشور في عدد أمس (الأحد) من هذه اليومية، وبغض النظر عن كل ما قاله الرجل في المحاور الأخرى، وكلها أقوال وإفادات عن قضايا (راهنة)، بما فيها مشروع سندس الزراعي والمفاصلة، إلا أن الرجل – الذي – برأيي لم تخذله الذاكرة، بل عمد إلى نوع من التشويش والالتفاف حول الحقائق المحضة المعروفة لدى القاصي والداني، ليس ممن يتابعون الشأن السياسي فحسب، بل حتى من لا يأبهون به.
بالطبع، ما كنت لأخوض فيما قال، لولا أنه ألقى في وجه الجميع تلك القنبلة الفسفورية في أمر حدث (هسي دي)، وهو رحيل الترابي، فبعد أن فاض الصافي بسيل من العواطف حيال غياب الشيخ والفراغ. وأشار إلى الخسارة الجسيمة التي ستلحق جراء ذلك بالفكر الإنساني، وحسرته على انحسار العقل الذكي والوقاد الذي أثر وأثرى الواقعين المحلي والعالمي، أشار الصافي إلى أن ردة فعل الإعلام الغربي إزاء رحيل الترابي، جاءت (حفيّة) بموته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اسمعوا ما قال الصافي جعفر بالحرف والفاصلة: “ردة فعل الإعلام الغربي بعد وفاة الترابي، وحفاوتهم بغيابه عن الحياة”.
لا أعرف، من أين جاء الصافي، بما سلف، وها هو الإعلام الغربي بين يدي الجميع، ثم ليست مهمة الإعلام أن يحتفي بموت أحدهم، بل أن ينقل خبر موته، وهكذا بدا الرجل غير أمين من نقل الحقائق كما هي، وكي لا نقع فيما ننتقده، ننقل للجميع أطيافًا مما ورد في الإعلام الغربي عن رحيل حسن الترابي، ولنرى من بعد، ما إذا وجدنا بين ظهرانيها احتفاءً بموت الرجل، وإلا فقد كذب الصافي جعفر.
نقلت (سي إن إن) نبأ وفاة الترابي عن (سونا)، وقالت “إن الترابي، توفي مساء السبت، عن عمر ناهز 84 سنة، إثر إصابته بوعكة صحية، مشيرة إلى أنه أحد أبرز الشخصيات الإسلامية المعارضة في السودان، وأسس حزب المؤتمر الشعبي. من جهتها أوردت إذاعة (بي بي سي) وفاة الترابي في أخبارها وأشارت إلى أنه يُعد المؤسس الفعلي للحركة الإسلامية بالسودان، وأنه يتقن أربع لغات العربية، والإنجليزية، والفرنسية والألمانية. أما ما نقلته رويترز وكالة الصحافة الفرنسية (أف ب) عن طريق مراسليهما فلا يختلف عن ما ورد أعلاه، إلا من النواحي التقنية لكتابة الخبر.
والحال، نسأل الصافي جعفر، بشكل مباشر، أن يأتي إلينا بخبر واحد، أو رأي واحد، نشر في وسائل الإعلام الغربية يحتفي بموت الترابي؟ ثم نسأله أيضًا: ألا يتطلب ذلك اعتذارًا للقارئ كونكم (دلستم) عليه، ومددتموه بمعلومات غير صحيحة؟
هذا من ناحية. ومن أخرى، فإن الغرب لا يرى في الترابي مفكرًا عظيمًا، كما تظنون، بل يراه إسلاميًا حركيًا بارزًا، وسياسيًا نشطًا وذكيًا، لكن ليس مفكرًا على أي حال، فكيف بالله عليكم تروجون لما لم يحدث بكل جرأة وعناد، وكأنكم تحاولون (تحدّي الجاذبية). فحتى تجربة الترابي (في الحكم) يراها الغرب من المشاريع السياسية الإسلامية الفاشلة، فكيف بغتة يأتي الصافي جعفر ليجعل للترابي حصةً في إنجازات فكرية وسياسية عالمية – لم تحدث – ثم كيف له أن يدعي (شماتة) إعلامية غربية في موته، ولم يحدث هذا؟
بظني والرجل بين يدي الله، فإن على مريديه أن يكيلوا عليه المديح والثناء والنعي بصفته خسارة لهم، دون يتجنوا على الآخرين، ودون أن يدعوا ما لم يحدث.