مع قدوم الربيع من كل عام، تستعد العائلات الجزائرية للبدء في الخطوبة لأبنائها، لاسيما خلال شهري “آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل)، حيثُ يفضّل الجزائريون هذا التوقيت بالذات لاعتبارات عدة، منها المتعلقة بـ”العادات والتقاليد”، ومنها التي ترتبط بـ “الخرافات والأساطير”، ومنها ما يتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية.
وتتكرر مصطلحات كثيرة على لسان الجزائريين خلال فترة الخطوبة والزواج، مثل “قتل الكلمة” و”حق العروس” وغيرها، وكل واحدة لها معانيها ودلالاتها.
طقوس الخطوبة والزواج
“قتل الكلمة” مصطلح يستخدمه الجزائريون للدلالة على حسم قضية طلب يد الفتاة أو عروس المستقبل، ولأن الزواج من النقاط الأكثر قداسة في الجزائر، فإن الحسم في الخطبة يكون من خطواته الأولى، إذ يمنع المزاح في مثل هكذا أمور، فقطع الكلمة أو “قتلها” كما يحبّذ الجزائريون تسميتها، تعد من الأمور المهمة جداً.
محمد أيث لعاني (87 سنة)،من أهالي قرية “ثامريجت” ببجاية شرق الجزائر، يؤكد بأن “قتل كلمة” يُظهر النية الخالصة في الزواج، ويكون بحضور شهود من أهل الذكر والأنثى، ومؤخراً بات بتوثيق مكتوب.
ويعتبر “محمد” أن جلسات الخطبة التي أشرف عليها في قريته، كلها تتم دون العودة في “الكلمة”، فأغلب الشباب الذين يتقدمون للخطبة، وفي حال “قتل الكلمة” يرفضون التراجع. مضيفاً أن هذا لا يعني إجبار الشاب على الزواج ،لأن “قتل الكلمة” لا يكون إلا بعد مشاورات، وفترة جمع المعلومات عن الطرفين والعائلتين.
أما “حق العروس” فمصطلح يرمز إلى “المقدّم” الذي هو عبارة عن قطعة ذهب، وألبسة، وبعض الأغراض الأخرى
الطيور وعلاقتها بالزواج!
الحجة “جميلة معاريق” البالغة من العمر 62 عاماً من مدينة “حمام قرقور” شرق العاصمة الجزائر، تؤكد في حديث لـ “هافينيغتون بوست عربي” أنها قامت بـ “الخطبة لأبنائها الستة، في فترة تزاوج الطيور”.
ورددت “جميلة” المقولة الشهيرة باللهجة الدارجة الجزائرية: “كي تولي الطيور لعشاشها، ايهي الراجل ايلبس للمرة حزامها”، وتعني بالترجمة “عندما تعود الطيور إلى أعشاشها، يستعد الرجل لمؤانسة المرأة وتزوجها”.
ولاختيار العائلات الجزائرية شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان من كل سنة للخطبة وعقد القران، دلالات تتعلق بحياة الطيور أو العصافير، خاصة لدى كبار السن، الذين ما زالوا يؤمنون ببعض المعتقدات القديمة.
وتضيف جميلة: “نتحرى جيداً فترة تزاوج الطيور، فهي مرتبطة بمعتقد توارثناه أباً عن جد، لأن الطائر وفيٌّ لأهله ،ونتيمّن نحن ببركاته منذ القدم”.
من جهته، يرى “قدور العايب” من نفس المنطقة، أن “الطيور قادرة على ربط علاقة زوجية متينة، وهي التي تبارك للأزواج الجدد خلال فترة الخطبة”.
ويردف قدور بكل ثقة: “كلّ من عقدنا قرانهم خلال هذه الفترة، نجحت علاقتهم الزوجية وأنجبوا أولاداً كثراً، ويعيشون في سعادة،لأن الطيور غردت وفرحت وباركت لارتباطهم”!.
القبائل وطائر السنونو
وبعيداً عن العاصمة، يربط أبناء منطقة “القبائل” فترة الخطبة، ببداية بناء أعشاش “طائر السنونو”، الذي يحبّذ بناء أعشاشه داخل البيوت خاصة القرميدية منها.
ويقول “طاوس ساعدي” 70 عاماً، الذي ينحدر من ولاية “بجاية” شرق العاصمة، لـ “هافينغتون بوست عربي”: “لدينا مقولة معروفة منتشرة عند كل أبناء القبائل وهي (ما ثبنى ثيفرلست آخاميس، أج اميك اذيخثار لعياليس)، وتعني (إذا بدأ السنونو في بناء بيته، فدع ابنك يعين زوجته).
أما زوجة “طاووس” فذهبت إلى أكثر من ذلك، وقالت لـ “هافينغتون بوست عربي”: “نحن هنا لا نهدم بيوت طائر السنونو، ونقدسه كثيراً لأنه لجأ إلى منازلنا واحتمى بها، ومن هدم بيت السنونو هدم الله بيته، وجعله يعيش في ضيق”.
وأغلب حالات الخطبة بمنطقة القبائل، وفقاً لما أكده “طاووس” تكون خلال فصل الربيع، وبالضبط حين يبدأ السنونو ببناء عشه، داعياً الأزواج أن يكون “بيتهم متماسكاً كبيت السنونو”.
خرافات
من جهة أخرى، يُرجعُ الباحث الجزائري في الشؤون الاجتماعية عبد الناصر زرارقة، سبب ربط العائلات الجزائرية فترة الخطبة بالطيور أو أحد أنواعها إلى “فترة الاستعمار الفرنسي” مشيراً إلى أن “هذا المعتقد التصق بالمجتمع الجزائري خلال تلك الفترة التي سعى فيها الاستعمار الفرنسي لتجهيل الجزائريين أكثر، وبث الأساطير والخرافات في المجتمع”.
ويضيف الباحث الجزائري لـ “هافينغتون بوست عربي”: “بالنظر إلى الظروف الاجتماعية الصعبة في تلك الفترة (فترة الاستعمار) أصبحت العائلات تحبّذ الخطبة في الربيع والزواج في الصيف، لانعدام المناسبات، وقصر المدة المنتظرة.
huffpostarabi