محمد سيد احمد : قراءة أخرى للمستقبل المحتمل بالنسبة للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة وجذورها الكامنة

> أهم ما لفت نظري في التحقيق الصحافي الميداني الذي أجرته الزميلة صحيفة «المجهر السياسي» مع أقرباء الزعيم الوطني الإسلامي الراحل المرحوم د.حسن الترابي، في زيارة لقرية «ود الترابي» بولاية الجزيرة أثناء تلقي العزاء في وفاته، هو تلك الإفادة التوثيقية المؤكدة التي أدلى بها أحدهم، وكشف فيها عن الحقيقة المهمة، وذات المغزى والدلالة البعيدة المدى، المتمثلة في أن الاسم الصحيح للشيخ الجليل هو (الحسن) وليس حسن، مشيراً أن والده القاضي الشرعي الراحل الشيخ عبدالله الترابي كان يريد أن يطلق اسم معاوية على ابنه لدى مولده في كسلا عام 1932، ولكن جده لأمه الخليفة الختمي الراحل أصر حينها على إن يسمي حفيده الوليد باسم «الحسن» تيمناً باسم السيد الحسن الميرغني نجل المرشد الختمي الأكبر السيد محمد عثمان الختم والشهير باسم «السيد الحسن أبوجلابية راجل كسلا».
> ومما جاء في تلك الإفادة التوثيقية المؤكدة، على نحو لافت للنظر فيها أيضاً، أن المرشد الختمي والزعيم الوطني الراحل السيد علي الميرغني كان قد أبدى موافقة مؤيدة ومباركة لزواج الشيخ الترابي من قرينته الفاضلة السيدة الكريمة والجليلة وصال المهدي، وذلك عندما استشاره والده الشيخ عبدالله الترابي، وطلب نصيحته، وأبدى تخوفه من أن يفضي اقتران الشيخ الترابي بالسيدة وصال المهدي الى ما قد يؤدي لاستقطابه وانتمائه للإرث الأنصاري المهدوي، على نحو يدفع به للمضي في طريق مختلف ومخالف لما هو معلوم ومعروف عن الانتماء الختمي التقليدي الأسري لعائلة الترابي.
> وكما جاء في الإفادة التوثيقية المؤكدة والمهمة المشار إليها فقد أعرب السيد علي الميرغني، لدى مباركته وموافقته على زواج الشيخ الترابي من السيدة وصال المهدي، عن اعتقاده الجازم حينها بأن الذي سينتج وينجم عن هذا الزواج المبارك، ويترتب عليه، لن يكون هو أن يتم استقطاب الترابي ودفعه واندفاعه للانتماء الى الإرث الأنصاري المهدوي، وإنما أن ينجح «الحسن» ويفلح في أن يتمكن من استقطاب أنصار المهدي الى السبيل الذي ينتمي إليه، والطريق الذي يقدم على القيام بالمضي فيه مستقبلاً.
> وبناء على هذا، فربما لا توجد حاجة للإشارة الى أن تلك النبوءة، التي تنبأ بها الزعيم الوطني الراحل المرشد الختمي المرحوم السيد علي الميرغني، هي التي تحققت بالفعل في الذي أقدم الشيخ الترابي على القيام به فيما بعد، حيث نجح بالفعل وأفلح في أن يشق لنفسه طريقاً مختلفاً عن الإرث الأنصاري المهدوي التقليدي، بل وربما قد يمكن ويجوز ويصح القول أيضاً أن النهج الذي اختاره الشيخ الترابي لنفسه قد كان في الواقع هو الأقرب للنهج والأسلوب الختمي في العمل الإسلامي والوعي به على المستوى الدعوي والصعيد الحضاري السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي… الخ. ولكن في سياق علمي وعصري حديث ومتطور ومرتقي.
> ولعل هذه مناسبة للإشارة إلى الإفادة التوثيقية المماثلة التي أدلى بها الصديق العزيز والزميل النبيل الأخ الكريم الكاتب الصحافي الكبير الأستاذ خالد التجاني النور في عموده «نص رأي» بالزميلة صحيفة «السوداني» مؤخراً، وذلك لدى رحيل شيخنا الجليل المرحوم الترابي، حيث أشار إلى أنه كان قد شارك في وفد من أعضاء المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في النصف الأول من القرن الميلادي الماضي، عندما رافق ذلك الوفد زميلهم الأخ الكريم عبدالحليم الترابي في زيارة لوالده الشيخ عبدالله الترابي بقرية «ود الترابي»، حيث ذكر الأخ الكريم خالد التجاني أنه لم ولن ينسى أن الشيخ عبدالله الترابي ظل مصراً حينها على التصحيح الفوري لكل واحد من أعضاء ذلك الوفد الطالبي عندما يشير الى اسم الشيخ حسن الترابي، وذلك بتجديده للتأكيد في كل مرة بأن الاسم الصحيح للشيخ الترابي هو «الحسن» وليس حسن.
> وعلى العموم فإن الذي دفعني للإشارة الى ما لفت نظري، على النحو المشار إليه، هو أنني رأيت وجود فائدة لذلك في ما يتعلق بالنظر المتعمق والمتمعن في الجذور الكامنة والمؤثرة في الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، والدافعة لها لدى المقارنة بين التأثير الختمي والتأثير الانصاري المهدي عليها، حيث أرى أن هذه الحركة إنما هي، في حقيقة أمرها وبداية طوافها ونهاية مطافها وكنهها، مجرد امتداد عصري حديث ومتطور يرتقي بما دعا وسعى له المرشد الختمي الأكبر السيد محمد عثمان الختم، ومن بعده السيد محمد عثمان الأقرب، ونجله السيد علي الميرغني، ثم المرشد الخمي الحالي السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصلي.
> ورغم أن الإرث الوطني والحضاري والإسلامي للنهج الأنصاري المهدوي سيبقى عاملاً مؤثراً في مجمل القوى الممثلة للحركة الوطنية السودانية بكافة تياراتها واتجاهاتها العريقة والحديثة، بما فيها بالطبع الحركة الإسلامية للنخبة المعاصرة، إضافة الى حزب الأمة القومي في تعبيره عن هذا الإرث الوطني المخضرم وتجسيده له أكثر من غيره، إلاّ أن الحقيقة العلمية والموضوعية، كما أرى، هي أن الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة لا تعدو كونها مجرد تمثيل وتعبير وتطوير للإرث الختمي، أكثر من تجسيدها وتمثيلها للأرض الانصاري المهدوي في حقيقة أمرها ونهجها الإسلامي والحضاري السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي… الخ.
> ولهذا فلم يكن من المستغرب أن يأتي التخوف الأكبر من هذه الحركة من جانب القوى المعبرة عن الإرث الختمي التقليدي، لأنها تخشى من أنها ستكون هي الوارثة لها والمعبرة عنها بكفاءة مؤهلة ومتطورة وقادرة على تحديثها والمضي بها الى الأمام على حساب تقاليدها البالية السابقة التي لم تعد مواكبة ومؤائمة وملائمة لهذا العصر من التقدم والتطور الحضاري الإنساني، كما لم يكن من المستغرب لذات السبب أن تكون القوى المنفتحة والمجسدة للإرث الختمي والمعبرة عن الأجيال الجديدة الناشئة منها هي الأكثر قدرة على التعبير عن المغزى الدلالة البعيدة المدى الكامنة في الحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة وجذورها الممتدة.. ونواصل غداً إن شاء الله…

Exit mobile version