ما الذي لا يعرفه السودانيون، عن السياسة في السودان، ونظام الإنقاذ الحاكم، وكيف هو تآمر على الديمقراطية بليل وكذبة ودبابة، وكيف انكر في البداية أنه ليس «جبهة إسلامية» ثم أنكر ما أنكر، وكيف أنه نكل بالمعارضين، وعذب، وقطع أرزاق مئات الآلاف، وكيف أنه (ديّن) حرب الجنوب، وكيف تسبب هذا التديين في النهاية إلى رحيل ثلث الوطن، وكيف حدث الانشقاق بين «القصر» و«المنشية»، وكيف اشتعلت حرب دارفور، وشردت، و«تدوّلت» ويتّمت، وأحرقت، وأكلت ما أكلت من بشر وموارد، وكيف انهارت المشاريع الكبرى، وكيف انزلق الجنيه إلى أسفل سافلين، و.. و.. غير كل ذلك مما يعرفه السودانيون، جملة وتفصيلا؟
تلك الأسئلة وراءها سؤال: لماذا كل هذه الزيطة والزمبريطة، والهلع، من حديث للترابي، لن يحذف شيئا ولن يضيف شيئا، إلى كل ما يعرفه السودانيون وكابدوه، لأكثر من ربع قرن، من حكم الإنقاذ؟
حديث الترابي- الذي تروج له الجزيرة باعتباره أنه شهادة على العصر، قال بها بعد انشقاقه عن البشير قبل ما يزيد عن عشرة أعوام واشترط ألا يبث إلا بعد موته- هو حديث (بايت).. والحديث البايت، لا طعم فيه.. ولا حرارة، ولا يقين.. وحين يكون مثل هذا الحديث البايت، من الترابي- رحمه الله- يصبح كذلك- حتما- لأن الترابي- قبل أن يرحل، ظل يتحدث، ولم يترك سرا، ولا كلاما ليس للنشر، حين كان يتحدث هو ويرخي الرئيس البشير أذنه أو العكس.. ولم يترك كلاما كان ليس للنشر، عن (مؤامرة) أو فضيحة، أو صفقة سياسية!
لماذا كل هذا الهلع، إذن؟ الهلع من السلطة.. ومن حزبه الذي قال أحد أقطابه الكبار لصحيفة سودانية انهم سيبذلون المستحيل، لعدم بث الجزيرة (شهادة الترابي على العصر) من مقابر بري، الضاحية القريبة جدا من المنشية حيث كان الترابي يعيش.
قول هذا القطب الترابي، يكشف أن حديث الترابي، لم يعد من الأسرار.. وطالما أنه كذلك فإن الأسرار- تلك التي مصيرها الشيوع حين تتجاوز فم صاحبها إلى أذن أي من كان- لا تعود اسرارا، بأية حال من الأحوال، وللحيطان- كما قيل- آذان!
ليس في السودان، سر..
والأسرار التي لم تعد أسرارا، لن تنفع السودانيين، وهم في مكابدتهم هذي، في وطن انقسم، ويعاني ما يعاني.
ما ينفع السودانيين، ليس جر آذانهم إلى حديث بايت. ما ينفعهم الحديث الطازج عن اليوم، وبكرة، وكيف يمكن في هذا اليوم والذي يليه، يمكن إنقاذ السودان- حقيقة- من كل الذي ظل يعانيه، من ظلام وظلم، وحروب دموية، وانقسامات خطيرة، وضنك في العيش والمعايش!
أيها السودانيون: قوموا إلى يوم بكرة.. يرحمكم الله!