امرأة عربية حُرمت من الذرية دهراً طويلاً، ثم حدثت المعجزة وأنجبت طفلاً جميلاً، أجمل ما فيه أنه كان ولداً، نقول هذا ونحن نتذكر أنه في الوطن العربي عندما يرزق الواحد منا بولد تنهال عليه التهاني: ألف مبروك… يا ألف نهار أبيض… ما شاء الله، تبارك الله، أما عندما تخبر الناس أنك رزقت ببنت فإنّ رد فعلهم اللفظي يكون: اللي يجيبوا ربنا كله كويس، والله البنات فيهن بركة، خيرها في غيرها، «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»!
المهم تلك السيدة (هذه وقائع حقيقية أنقلها عن صحيفة عربية) لا تختلف عن غيرها من الأمهات العربيات، وكانت فرحتها عارمة عندما جاء وليدها البكر ذكراً فنذرت أن تذبح جملاً في مدخل الجامعة التي يلتحق بها فيما بعد، ثم ظهرت نتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة، واتضح أن المجموع الذي أحرزه ابن تلك السيدة لا يتيح له الالتحاق حتى بالجامعة العربية، فأحست الأم الجنون بأنها في مأزق لأنّ الخيار الوحيد الباقي كان يتمثل في إرسال ابنها إلى جامعة في الخارج، ولا بدَّ بالتالي من تدبير طريقة لذبح الجمل على باب جامعة في دولة أجنبية، خاصة أن أحدهم أفتى السيدة بأن عليها أن تفي بالنذر «حرفياً»، وفات على صاحبنا المفتي أن نذرها ذاك من النوع «المشروط» الذي لا يجوز أصلاً، لأنها نذرت أن تذبح جملاً «إذا» دخل ابنها الجامعة وأن يكون الذبح في مدخل الجامعة!
ولأنها سيدة طيبة فقد وقف الحظ إلى جانبها وتم قبول الابن في جامعة في بلادها، والجامعات عندنا كريمة مع كل من يملك الكاش، وأبدت إدارة الجامعة تفهما كاملاً للموقف رغم أن الابن جاهد كثيراً لإقناع أمه بصرف النظر عن مسألة الذبح برمتها، والاكتفاء بالتصدق ببعض المال، أو القيام بأي عمل خيري آخر، المهم انتهى الأمر بأن اصطحبت الأم جملاً وجزاراً إلى مدخل الجامعة، وخلال بضع ثوانٍ كان الجمل يتخبط في دمائه وأغمي على بعض الطالبات اللائي راعهن مشهد الدماء المتدفقة من عنق الجمل، وماتت بريجيت باردو، أو كادت أن تموت بغيظها. وعلى الصعيد الشخصي فرحت كثيراً لأنني كنت متعاطفاً مع الأم، ولأنني أخاف من الجمال والنوق والإبل والبعير والهجن، ولو كنت أملك المال الكافي لشكلت منظمة إرهابية سرية لتصفية الجمال جسدياً وبأثر رجعي.
إنني سعيد جداً لأنني، وكما أسلفت، أتفهم تماماً مشاعر تلك الأم، واستشعر مدى سعادتها وقد انتظرت 18 سنة لتفي بالنذر، وسعيد لأنّ الأقدار لم تُحرجها. فماذا كانت ستفعل إذا التحق ابنها في طفولته بمدرسة أجنبية وتعيّن عليه أن يتلقى تعليمه الجامعي في أكسفورد أو هارفارد أو السوربون، حيث لا تسمح السلطات للأفراد حتى بذبح الدجاج في حدائق بيوتهم الخلفية؟ وهب أنه لم يجد مكاناً في جامعة الكويت واضطر إلى الالتحاق بجامعة القاهرة مثلاً، وهب أن السلطات المصرية تفهمت المسألة وسمحت بذبح الجمل أمام الجامعة؟ الطريقة الوحيدة لتوصيل جمل إلى مدخل جامعة القاهرة هي «الرافعة». والرافعة الوحيدة القادرة على القيام بمثل تلك المهمة هي تلك التي كانت تستخدم في حفر أنفاق المترو في القاهرة، ولكن أحدهم سرق تلك الرافعة التي يعادل ارتفاعها عمارة من 16 طابق، نعود فنقول الحمد لله أن المسألة انتهت على خير وأن جامعة الكويت استوعبت صاحبنا وأن أعلى مسؤول في جامعة الكويت امرأة لها قلب وعواطف، وما يهمني أكثر من ذلك أن كوكب الأرض تخلص من أحد الجمال، ويا ليت جميع الأمهات يقتدين بتلك الأم الكويتية ليتم القضاء على الجمال نهائياً!