* لا يعيب فتاة أفريقية قادمة من إثيوبيا بحثاً عن وضع أفضل أن تعمل خادمة في أحد المنازل نظير مبلغ معلوم، ولكن العيب أن تمد قناة مثل النيل الأزرق لسانها ساخرة في وجوه الأشقاء الإثيوبيين الذين هم بالطبع يعانون ضغوطاً اقتصادية ويأتون إلى السودان للعمل في مهن هامشية ولكن بينهم كأي شعب أهل العلم والفكر والآداب والفنون؛ ويكفي ما تشهده بلادهم الآن من قفزة تنموية هائلة ونمو لا تخطئه العيون!
* المفارقات التي تصنع الابتسامة في البرامج التلفزيونية الساخرة هي فن نقد المجتمع بتعليقات عميقة باهرة؛ وطرح القضايا التي تهم الناس في قالب فكاهي يسلط الضوء على مواضع الخلل بطريقة ساحرة، أما محاولات إضحاك الناس بالتندر على دولة مجاورة وشعب شقيق فتلك إشارة إلى أننا نقدم الخواء للناس على أنه فن؛ والسطحية بزعم أنها فكرة، والعبث باعتباره برنامجاً، ونلهث خلف أموال الرعاية لنسقط في جب الاستخفاف بشعب وأمة، و(هي أسوأ دعاية)..!
* لا نود إعادة العبارات المفخخة، والإيماءات الغريبة، والحروف التي رددها الأخ خالد الوزير في برنامج جديد تبثه قناة النيل الأزرق أساء من خلالها للعمالة الإثيوبية بطريقة فجة لم تحترم آدمية أناس دفعت بهم الظروف للعمل في المنازل؛ مع أن أعداداً كبيرة من السودانيات ظللن يعملن أيضاً في المنازل داخل وخارج السودان في ظل النزوح وإفرازات الحروب وضغوط الأوضاع الاقتصادية؛ وقمن بتربية أبنائهن وتعليمهم؛ ولم تكن مهنة شخص ما يوماً مقياساً للسلوك وتخييره عن آخر؛ فإن كانت هناك بعض العاملات الإثيوبيات يسرقن من المنازل التي يعملن فيها ويقمن بـ(تنظيفها من كل شيء) كما جاء في البرنامج؛ فذاك ليس سبباً للتجني على كل عاملة والسخرية من شعب بأكمله؛ كما أن العمل في المنازل ليس حكراً على الإثيوبيات؛ بمثلما أن فنون السرقة تطورت بشكل كبير فبتنا نقرأ أخباراً عن مسؤولين يخونون الأمانة؛ وأراضٍ حكومية يتم نهبها وغيرها من ألوان وأشكال الفساد، فهل أزمتنا الحقيقية في عاملة (معلوماتها مدونة، والقبض عليها سهل، ومسؤولية التجاوزات التي يمكن أن تحدث منها مشتركة مع المكتب الذي أحضرها للبلاد)..!؟
* ليس مهماً أن يقول مقدم البرنامج ما يشاء في ظل استجداء المشاهد للضحك، ولكن المهم حقاً طالما أن البرنامج مسجل، أن تقوم إدارة البرامج بمشاهدة كل حلقة وحذف ما لا يتناسب والصدح به في (عشرة ونسة تحت شجرة)؛ ناهيك عن البث في قناة فضائية تحظى بنسبة مشاهدة مقدرة، و(لعمري إن ما حدث يمثل قمة الفوضى والعبثية)..!
* تتطلب البرامج التي تبث على الهواء مباشرة التدقيق في الضيوف واختيار شخصيات اعتبارية وذات أوزان في مجالاتها وأسماء معروفة يحسب ما تقوله عليها قبل أن يحسب على القنوات التي استضافتها، وحتى المشاركات الهاتفية المفتوحة للمشاهدين تتم مراقبتها حتى لا يخرج منها ما يمكن أن يسمم وجدان الناس أو يمس قيمهم وأخلاقهم، ولكن من غير المعقول أو المقبول أن تصدر مثل هذه السقطات من (برنامج مسجل) لم تكلف لجان المشاهدة نفسها للجلوس لرؤيته لدرجة أن يتدخل رئيس مجلس إدارة القناة بنفسه لحسم التجاوز ويتحدث للصحف معتذراً طبقاً لإفاداته أمس لصحيفة (التغيير) في التقرير الذي أعده الزميل أيمن كمون.
* لست ميالاً لقبول التدخل الإداري في العمل الفني والبرامجي حتى ولو كان من تدخل هو صاحب أكبر أسهم في القناة ويجلس على قمة هرمها الإداري، ولكني متعاطف في هذه الواقعة تحديداً مع السيد وجدي ميرغني رئيس مجلس إدارة قناة النيل الأزرق، فالرجل قبل أن يكون جزءاً من أهل البيت الذين يتحملون المسؤولية الأخلاقية هو مستثمر سوداني في إثيوبيا ويشغل موقعاً يتطلب منه قيادة غضبة الثائرين في وجه ما صدر عن القناة بوصفه رئيس اللجنة المشتركة بين السودان وإثيوبيا؛ ويعرف جيداً عمق العلاقات بين البلدين وبعدها الاستراتيجي وما يمكن أن تخلفه هذه السقطات من آثار سالبة بين الخرطوم و(أهل حضارة أكسوم)..!
* حسناً فعلت قناة النيل الأزرق بالاعتذار، ويجب على الأخ عمار شيلا مدير البرامج ورفاقه مراجعة لجانهم وإعادة صياغتها فتكرار مثل هذه الأخطاء ستدفع ثمنه القناة باهظاً، ولا يعقل أن يكون كل التركيز منصباً في جلب الرعاية واللهث المحموم خلف الإعلانات؛ فما هكذا تمضي خارطة البرامج بالقنوات..!
نفس أخير
* لا تقل (حضرات) السادة المشاهدين، ولكن قل (حسرات) السادة المشاهدين!.