{خارطة طريق معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد أهم مائة مرة من أي خارطة طريق لتوقيع اتفاق سلام (محدود)، مع بعض الحركات المسلحة المتمردة في دارفور وجنوب كردفان .
{أقول (اتفاق سلام محدود) لأن التجربة علمتنا على مدى ربع قرن من الزمان أن الحركات لا تأتي جميعها في (كتلة) واحدة، للتوقيع على اتفاق سلام ينهي الحرب ويوقف إطلاق النار بصورة شاملة في كل الجبهات.
{لا .. فقد تعودت الحركات أو علمها مستشاروها (الخواجات) ألا تلقي بكل (البيض) في سلة واحدة مع الحكومة، ولهذا جاء “مناوي” إلى السلطة كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية لعدة سنوات، بينما بقي “خليل” و”عبد الواحد” بالخارج، ثم خرج “مناوي” مرة أخرى، وتبعه إلى “كمبالا” “أبو القاسم إمام” بعد أن فقد منصب (الوالي) في غرب دارفور، فجاءت فصائل متعددة إلى طاولة سلام الدوحة تحت لافتة حركة (التحرير والعدالة) بقيادة “التيجاني سيسي” و”بحر أبو قردة”.
{ وهكذا، وكانت الحركة الشعبية – قطاع الشمال شريكة في السلطة بالمركز والولايات لـ(6) سنوات، لكنها تمردت ثانية بعد أن سقط مرشحها “عبد العزيز الحلو” في انتخابات والي جنوب كردفان في العام 2010م، رغم فوز مرشحها ورئيسها “مالك عقار” بمقعد الحاكم في النيل الأزرق!!
{لا أتخيل أن تقدم الحركات الدارفورية الثلاث (التحرير “مناوي”، التحرير “عبد الواحد”، والعدل والمساواة “جبريل”) على التوقيع في ساعة واحدة على اتفاق سلام شامل مهما حمل من مغريات وضمانات.
{ولهذا فإن الحكومة إنما تحرث في البحر وتضيع زمان أهل السودان في ما لا ينفعهم بالهرولة بين “الخرطوم” و”أديس أبابا” كل شهرين وثلاثة !!
{الشعب السوداني في المدن والأرياف غالباً غير مهتم بمتابعة مسلسلات المفاوضات والمشاورات (البايخة) التي أدمنها بعض منسوبي الحكومة، وجعلها مهنة له!!
{خارطة طريق معالجة أزمة الاقتصاد هي ما يهم الناس في القرى والحضر والبوادي، وهذا هو الموضوع الأهم الذي تهمله الحكومة ولا توليه الأهمية بالقدر الكافي!
{والغريب أن الخرطوم عندما انفجرت واشتعلت ناراً .. ورصاصاً .. ودماءً في سبتمبر عام 2013م، بصورة أبشع مما حدث في غزوة أم درمان عام 2008م التي مولها العقيد “القذافي” وحشد لها (300) سيارة مدججة بالمدافع والسلاح الآلي، كان السبب لانفجارات سبتمبر (اقتصادياً) على خلفية زيادة أسعار المحروقات.
{خرجت العاصمة من قبضة وسيطرة الدولة لأربعة أيام متوالية، ولم تنطلق الاحتجاجات يومها من (سنتر الخرطوم) الذي تم إخلاؤه من مواقف المواصلات والمحلات والمطاعم والمنتزهات وأخيراً المستشفيات وفق منظور أمني قاصر!!
{الاحتجاجات اندلعت في الأطراف أولاً، عكس ما كان يحدث في سابق عهود الانتفاضات في السودان .
{ولهذا تبدو فكرة إخلاء (وسط الخرطوم) من كافة الأنشطة والخدمات، ساذجة وقد تجاوزها الزمن وأكدت على ذلك أحداث سبتمبر 2013، حيث تنقلت الاضطرابات بين الأحياء السكنية وسلم (الوسط) إلى حد ما، ولكن لم يسلم الأمن والاستقرار، ولم تسلم السلطة من التهديد!
{خارطة طريق معالجة مشكلات الاقتصاد السوداني بدعوة الخبراء والمختصين وعلماء الاقتصاد ومستشاري الدول والحكومات، والمنظمات والهيئات من أبناء السودان بالخارج والداخل، إلى (ملتقى دوري تشاوري) تحضره قيادة الدولة للإفادة منه والعمل بتوصياته، هو السبيل الأمثل لتحقيق تطلعات وآمال وأحلام الشعب السوداني المنهك.
الهندي عز الدين – (شهادتي لله – صحيفة المجهر السياسي)