بعد ان قضيا ليلتهما يتجادلان، استيقظت (مروة) من نومها مبكرة واعدت الشاي ثم بدأت تتهيأ وتستعد للخروج في مواعيد ترحيل البنك كعادتها كل يوم، عندها استيقظ (أشرف) من نومه ليفاجأ بها وهي تتأهب للخروج ..
سألها في توتر:
برضو لبستي ومارقة .. يعني مصرة تعملي الفي راسك ؟!!
أجابته في تحفز: يا اخوي انت قايل شغل البنك ده لعب اغيب وامشي على كيفي ؟!! مافي طريقة ما امشي .. عندي شغل معلق في عهدتي ولازم يتشطب.
قاطعها بعصبية:
ما تصرفي معاي عربي كتير .. قلتا ليك تاني انا ما عايزك تمشي الشغل .. مش تغيبي بس تخليهو نهائي .. اتصلي عليهم خليهم يتصرفوا بلا عهدة بلا دياولو معاك !!
حملت حقيبتها وتوجهت نحو الباب عندما سمعت بوق عربة الترحيل، وهي تتمتم في اصرار:
هو انت قايل الحكاية على كيفك ؟
فصاح من خلفها:
لو مشيتي الشغل يا مروة ما تجيني تاني هنا ..
امشي بيت ناس ابوك بي غادي.
وقد كان، فاصرار (مروة) على الاحتفاظ بوظيفتها في البنك ومخالفة رغبة زوجها، جاء من قناعتها بحوجتها لتلك الوظيفة رغم صغرها فهي ما زالت في بداية السلم الوظيفي، بعد مضي ثلاث سنوات على تخرجها من الجامعة وتوفيقها بصورة تشبة المعجزة في الحصول على فرصة العمل في احد البنوك العريقة، بينما لا يزال رصفائها وزملاء دفعتها (مملطشين) بين لجان الاختيار والمعاينات، الشيء الاخر الذي حفزها على الثبات على موقفها هو قناعتها بأن الزواج يبنى على عهود ومواثيق، وان (اشرف) لم يكن له اي اعتراض على عملها والذي كان السبب في لقائهم لاول مرة، فقد حضر للبنك اكثر من مرة سعيا وراء اكمال مشروع مرابحة،
انتهى بحصوله على عصفورين بحجر واحد .. التصديق بالمرابحة وقلب الموظفة الجديدة التي قامت بمتابعة الاجراءات ..
وانه لم يشترط عليها لا صراحة ولا تلميحا بعدم رغبته في مواصلتها للعمل بعد الزواج عندما تقدم لخطبتها، ولو كان قد فعل وقتها لجعلها بين خيارين واضحين .. أما الموافقة على شرطه والالتزام بالبقاء في البيت لرعاية اسرتها، او التضحية بخيار الارتباط به في سبيل التمسك بوظيفتها التي تحقق ذاتيتها وطموحها في ان تكون زول ليهو قيمة !!
خلاف (مروة) و(اشرف) لمحاولته فرض خياره عبر سياسة الامر الواقع (انا عايز كده ولو ما عجبك الباب يفوت نعجة)، صورة من صور التنازع الذي يطرأ على الاسر الناشئة، نتيجة استعمال الزوج سياسة القهر وفرض الراي بعد وقوع الفاس في راس، وذلك لقناعة البعض بان المرأة سهلة الانكسار، ترضى عن طيب خاطر بتقديم التنازلات في سبيل الحفاظ على بيتها، حتى لا يقع عليها عبء فشل الزيجة والتي سوف تكتوي بنيران تبعاته، بأكثر من اكتواء الزوج بنيران الحرقة على ما صرفه
على تلك العرسة المفنيخة !!
(هند) ايضا كانت شابة حبوبة خفيفة الظل، اجتماعية منفتحة على الاخرين، حتى ان غيابها يشكّل مجتمع المناسبات في محيطها بطابع (المساخة)، فهي فاكهة الانس في تلك الجلسات .. تطوف بين الجميع كالفراشة تمازح تلك وتناكف زاك وتلاعب صغار قريباتها وكأنها واحدة منهم، حتى جاءها سعدها الذي كان يسعد بلطفها وخفة روحها، بل وكان يزعم بأن طبعها الحلو هو ما اوقع به في حبايل مودتها، ولكن ما ان استلمها ووضعها في عهدته حتى اخرج وجهه المدسوس في
الدولاب مع قائمة طويلة بالممنوعات .. الاجتماعيات تحولت الى مباراة للفارغة ..
خفة الروح تحولت لخفة ولفة وكترة كلام، والتباسط الى رفع كلفة بدون داعي ..
وهكذا بين اليوم والليلة وجدت (هند) نفسها ترزح تحت قيد التعليمات، فبهتت شخصيتها واحبطت نفسياتها وبانت عليها بواين البؤس، حتى ان احدى قريباتها همست لمن تجاورها في المجلس، عندما دخلت (هند) لتقديم واجب العزاء في عزيز لديهم .. اصدرت صوتا من بين شفتيها يدل على التحسر ثم قالت:
عليك الله البشوف المرة المبشتنة أم كرعينا مشققة بقول دي هند الكانت نوارة البنات .. الراجل الشكية لي الله احبطا ومن شدة ما عصرا خلاها زي العويرة الكلام ما بتعرفوا !!
مئات من الفتيات في سن الزواج جالسات بالمنازل في انتظار العدل، يتركهن الباحث عن عروس وله رأي سلبي على عمل المرأة، ويتقدم للزواج من موظفة ليغصبها على الاستقالة والجلوس بالبيت .. الالاف من ربات الخدور الحييات لم يرين المجتمعات ولم تراهم المجتمعات، يتركهن طالب الاعتكاف ويتزوج من مسئولة المكتب الاجتماعي لاتحاد الطلبة والطالبات ثم يحبسها بالبيت لتونسه حصريا ..
(مروة) و(هند) مثال بسيط لكثير جدا من لحالات التعسف وسوء استعمال الرجال لسلطاتهم التي لم يكفلها لهم القانون إلا شريطة ان يستعملوها بالاحسان والمعروف.
(أرشيف الكاتبة)