هل يأتي حين من الدهر تختفي فيه هذه النسخة الورقية من الصحيفة التي يتحسسها القارئ يوميا بأطراف أصابع ولهانة ومشتاقة، ويكاد يشم رائحة حبر المطابع طازجة كالخبز وقهوة الصباح، وتصبح العلاقة الحميمة المحسوسة مجرد نقر بأطراف باردة بلا مشاعر على لوحة شاشة أجهزة الحواسيب والهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية لمعاقرة نسخة رقيمة من الصحيفة اليومية، التي ستتحول إلى (لحظية) أكثر منها يومية، لأنها سيتم تحديثها كل لحظة مع تطورات الاحداث حول العالم، هذا الحين من الدهر حان عند البعض، واقترب لدي آخرين، وأما نحن فلا خوف على صحافتنا الورقية ولا يحزنون ربما الأجيال اللاحقة، وشمس الصحافة الورقية كما حركة الشمس الطبيعية، بينما بدأت تغرب في الغرب لا تزال تسطع في الشرق، التقارير تشير إلى ازدهار الصحافة الورقية في الهند، حيث كشفت تقرير من العاصمة الهندية نيودلهي، أن مبيعات الصحف الورقية في تزايد، على عكس ما تشهده صحف العالم الورقية من كساد بسب التنافس الحاد مع المواقع الإلكترونية وتوفر الأخبار على الهواتف والأجهزة اللوحية. ووصف تقرير لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) العاصمة الهندية نيودلهي بمركز النشاط الإعلامي في الهند، حيث يوجد بها أكبر صناعة للصحف المطبوعة في العالم، وعدد صحفيين أكثر من أي مدينة أخرى في أنحاء البلاد.
وتُعد الهند أكبر سوق للصحف في العالم، حيث يباع ما يربو على 107 ملايين نسخة يومياً، وفقاً لتقرير رابطة الصحف العالمية لعام 2009، كما أن هناك 82222 مطبوعة مسجلة في هيئة تسجيل الصحف الهندية.
ويعزو خبراء الإعلام التوسع السريع للصحافة إلى الاقتصاد سريع التنامي في البلاد، وارتفاع دخل الأفراد وميزانيات الإعلان وتعداد السكان الضخم، ولكن يأتي على رأس هذا كله ارتفاع مستويات التعليم من 12% عند استقلال الهند عام 1974 إلى 74% في الوقت الراهن. وقال مسؤولو هيئة تسجيل الصحف الهندية إن العدد الإجمالي للصحف زاد بنسبة 24% في السنوات الخمس الماضية. كما أن جمهور القراء زاد إلى 329 مليون قارئ، مقارنة بنحو 115 مليونا في عام 2001.
هذه صورة الصحافة الورقية وشمسها المشرقة في الشرق، وفي المقابل نجد أن شمس الصحافة الورقية مالت إلى الغروب النهائي غربا وآخر الصحف الكبرى التي تحولت إلى صحفة رقيمة كانت (ذا اندبندنت) البريطانية التي أصدرت أمس السبت آخر نسخة ورقية بعد 30عاماً من الصدور المنتظم ستختفي اليوم الأحد عن المكتبات وتتحول إلى صحيفة رقيمة. وفي افتتاحيتها الأخيرة، أكدت الصحيفة أننا سنتذكر هذا (التحول الجريء) نحو الصحافة الرقمية بشكل كامل “كنموذج تحتذى به صحف أخرى في العالم”. وأضافت أن “اليوم توقفت المطابع، وجف الحبر، وقريبا لن يصدر الورق حفيفا”.
محمود الدنعو – (العالم الآن – صحيفة اليوم التالي)