* إن كان السائح هو ذاك الشخص الذي يحزم حقائبه ويتوجه لمكان لا يقل عن مسافة 80 كيلومتراً بغرض الترفيه أو التطبيب أو مشاهدة أماكن سمع عنها ولم يسبق له رؤيتها ويريد أن يقف على معالمها إن كانت أثرية أو دينية أو تاريخية أو ذات ارتباط بحدث ما؛ فإن كثيرا من المسؤولين ببلادي (سياح) يلبون دعوات تصلهم من جهات عديدة على حساب المواطن المغلوب على حاله، وما إن تسأل عن أحدهم لأنك تحتاجه في تصريف عمل لن يكتمل أبداً ما لم يمهر (توقيعه الميمون) أسفل أوراقك حتى تسمع من الموظفين بمكتبه عبارات غريبة تجعلك تندم على السؤال من شاكلة:
(إنتو قايلين المسؤولين ديل عاجبهم السفر ولا ساكين النثريات البتديهم ليها الحكومة في المأموريات؟.. ياخي ديل ما بقعدوا يومين في البلد عشان منو؟.. دا كلو لراحتكم والناس ما عارفة مصلحتها وين وما شاعرة بالتضحيات دي.. معقولة سايبين أولادهم ومن طيارة لطيارة وشغالين صباح وليل والواحد يجي يقول ليك المدير وين والوزير سافر ليه؟.. سافر عشان أموركم تمشي هو المدير لو ما سافر إنتو كان حالكم بقى كدا.. إنتو لو عارفين المسؤولين بعملوا شنو عشانكم برا البلد توصلوا الواحد المطار وتشيلوا ليهو الشنط وتنتظروا لما يجي في سلم الطيارة.. الواحد يقول ليك بسافروا كتير.. لازم يسافروا ويجوا من برا عشان يسافروا تاني برا دا شغل ومهام كبيرة ومؤتمرات إنتوا فاكرين الواحد بسافر عشان يقضي وقت ويستمتع ويهظر.. حقيقي ناس غريبة وما بتقدر).
* أن يسافر وزير اتحادي ووفد مهول مرافق لسيادته ويأخذ كل منهم نثريات بالعملة الصعبة رغم أن الموضوع يمكن حسمه برسالة عبر البريد الإلكتروني؛ أو بوساطة سفارة السودان في البلد المعين ناهيك عن تعطيل العمل في الوزارة، فذاك أمر اعتدنا عليه ولم يعد غريباً علينا؛ ودونكم مثلاً وزير السياحة والآثار الاتحادي الذي ما جاءت مناسبة كبيرة ذات صلة بوزارته كافتتاح وختام مهرجانات السياحة في الولايات والتي يشرفها رئيس الجمهورية ونائبه الأول إلا وكان وزير السياحة في (مهمة “سياحية جداً” خارج البلاد)، ولا أدرى ما هي تلك المهام المقدسة التي تجعل وزيراً يهتم بالأسفار على حساب المشاريع والأعمال متجاوزاً وجود قيادات الدولة؛ وتجده يسند مهمة تقديم خطاب الوزارة إلى وزير الدولة الذي يجتهد الناس ليفهموا من خطابه شيئاً فلا يخرجون بمعلومة واحدة مفيدة؛ ويسألون عن الوزير فتكون الإجابة أنه للأسف خارج البلاد!.
* قد يعتقد البعض أننا نبالغ في ضرب الأمثال ونضخم الأسفار؛ ولكن لو أخذنا مثالاً وزير السياحة والآثار الاتحادي محمد أبو زيد مصطفى، فقد كان غائباً عن افتتاح مهرجان الجزيرة الذي أعلن ضربة بدايته رئيس الجمهورية المشير عمر البشير؛ كما لم يكن الوزير للأسف حضوراً في ختام المهرجان الذي شرفه النائب الأول الفريق أول ركن بكري حسن صالح، رغم أن المواقيت معلومة للوزير؛ وكانت كلمة السياحة بوصفها الوزارة المختصة في الحفلين من نصيب وزير الدولة عادل حامد..!
* كثرة التسفار للوزراء غير محببة لأنها في معظم الأحيان تمثل إهداراً للأموال والوقت؛ وتنعكس سلباً على أداء الوزارات، لذا يجب أن يكون هناك تشدد أكثر في الرحلات الخارجية ومدى أهميتها وجدوى المشاركة الراتبة في بعض المؤتمرات والمهرجانات التي لا تعود على البلاد بفائدة مع تقليص أعداد الوفود المرافقة لكل وزير؛ ويا حبذا لو أنه قبل أن يسافر الوزير لمؤتمر جديد حدثنا عن ثمرة مشاركته في المؤتمر الأخير.
* إن كان سفر الوزراء يتم بلعه على مضض، فإن ما لا يمكن للمرء تصديقه أن يدخل والٍ لولاية في رحلة أسفار متكررة بحجج غريبة وأسباب قد تبدو مضحكة لأهل ولايته، فبالأمس وعند تجوالنا في مدينة بورتسودان سألت بعض المواطنين بصورة عشوائية عن أداء حكومة الولاية؛ فلفت بعضهم انتباهي إلى أن واليهم علي أحمد حامد لا يعرف تفاصيلهم لأنه دائماً ما يكون خارج البلاد لدرجة أنه عندما يأتي إلى البحر الأحمر يحسبونه جاء سائحاً يقصد البحر لاستنشاق الهواء وتغيير الأجواء..!
* لا يأتي والي البحر الأحمر للسودان ناهيك عن بورتسودان إلا كي يسافر من جديد؛ وفي كل مرة يقولون إن الوالي اصطحب معه وزير السياحة ووفدا رفيع للتبشير بالسياحة في البحر الأحمر في بعض الدول العربية والأوروبية.. هل تصدقون أن والي البحر الأحمر الموجود هذه الأيام في روسيا تنقل في فترة ولايته التي لم تتجاوز أشهرا معدودات ما بين الإمارات وتركيا وألمانيا وإسبانيا وربما بعض الدول الأخرى التي لم يرصدها (أدروب) الذي يبحث عن التنمية والخدمات؛ ولا تهمه سفريات الوالي الخارجية الذي تفرغ للرحلات..!
* كيف تسمح الحكومة المركزية لوالٍ هو (الراعي الأول) في ولايته والحاكم الذي تتوقف مصالح الناس عند سفره بكل هذا التجوال؟، فإن كان علي حامد يريد أن يأتي من سفرياته تلك بسياح أوروبيين كما يقول فإن ما قام به من رحلات حتى الآن يكفي لضم ولاية البحر الأحمر إلى الاتحاد الأوروبي..!
نفس أخير
* أديني رضاك قدامي سفر
أنا بدون (رحلاتك) ما بقدر!.
هيثم كابو – (ضد التيار – صحيفة اليوم التالي)