٭ في نهاية الثمانينات كنت أعمل محرراً في صحيفة «الأسبوع» المستقلة في نسختها «الأولى».
كنا في بداية الطريق والحماس يملأ جوانحنا بالانخراط والعمل الدؤوب في بلاط صاحبة الجلالة، و على استعداد لتنفيذ أي أمر يصدر من «قائدنا الأعلى» بحراً أو براً أو جواً حتى لو أدى ذلك للمخاطرة بحياتنا..
٭ في تلك الأيام الحماسية والشبابية استدعاني الأستاذ محي الدين تيتاوي رئيس التحرير وطلب مني السفر إلى مدينة ودمدني وعلى جناح السرعة..
٭ شرح لي المهمة، ستذهب لمشروع الجزيرة وتجري تحقيقاً ميدانياً واسعاً ـ شوفوا كيف سبقنا الصحافة الاستقصائية الرائجة هذه الأيام ـ تزور المشروع إبتداءً من الرئاسة ومروراً بالتفاتيش والقرى و «الحلال» وأستنطق الجهات المعنية والمسؤولة عن المشروع بمدينة ودمدني وأن أقف أيضاً على الحملة التي أطلقتها حكومة الصادق المهدي آنـذاك لتطوير وتحديث المشروع!!
٭ في ظهر اليوم «التالي» كنت أدلف لمكاتب الإعلام والعلاقات برئاسة المشروع ببركات حيث استقبلني المدير والذي عرفني بنفسه عمك سعد الطيب، في زمن وجيز وضع لي الرجل تصورهم في إدارة الإعلام لكيفية مساعدتي في مهمتي ابتداءً من ترتيبات الضيافة بإستراحة بركات والمجهزة بأحدث نظم الضيافة والفندقة ولا تقل عن فنادق الخمس نجوم، وانتهاء بترتيب جدول مقابلاتي وجولاتي الميدانية في المكاتب والحقول!! وحقيقة لقد اندهشت للنظام والترتيب «والدقة في التعامل» والتي اكتملت حلقاتها عندما زارني الأستاذ سعد الطيب في الإستراحة عصر ذاك اليوم بصحبة أحد أبنائه طالباً مني الذهاب لتناول الأفطار والدنيا رمضان!! حاولت الإعتذار بأنني مرتاح وكل شيء جاهز وشكرته على الترتيب الذي قام به العاملون في الإستراحة تجاهي، فرد عليّ تلك ضيافة الحكومة ما عندي بيها شغلة!! أنا أطلب منك أن تكون ضيفي في بيتي اليوم!
٭ دخلت لأول مرة صالون المنزل!! لفت انتباهي صورة كبيرة لضابط شاب بملابس القوات المسلحة!! قلت له أظنه ابنك رد بالإيجاب قلت له أين يعمل «الآن» أجابتني دمعة حارة تنزل من خده لقد استشهد قبل شهور في الجنوب! .. وتمت الضيافة والتي لم تقتصر على يوم واحد بل إمتدت لأكثر من أسبوعين، تعرفت من خلالها على الجانب الآخر من المدرب سعد الطيب مدرب النادي الأهلي!! كنا نذهب يومياً للنادي بعد التراويح ونمضي ساعات في رحاب مجتمع مدني الرياضي ويال له من مجتمع راقي ومثقف ومتحضر.
٭ عدت للخرطوم ونشرت حصيلة ما جمعته ،امتدت الحلقات لـ 51 حلقة ووجدت صدى طيبا واشادات، وما كان ذلك آن يتم لولا مساعدة سعد الطيب..
٭بعدها بشهور جاءت الانقاذ وحُلت الصحف وتشتتنا في المرافيء البعيدة وكنت في كل مرة أذكر سعد الطيب – الذي لم ألتقه منذ ذلك الزمن – كلما جاءت سيرة مدني!!
٭ الجمعة الماضية كنت في مدني وسألت عنه!! قالوا إنه موجود طلبت منهم نقل تحياتي له وأنا على ثقة في أنه حتماً سيتذكرني! أمس هزني الخبر المفجع لقد رحل سعد الطيب قرأت ذلك في زاوية زميلنا صلاح حاج بخيت بآخرلحظة «مدني على الخط» سعد الطيب نجم تلالأ!!
حزنت واستدعيت تلك اللحظات من ذلك الزمان البعيد !..
رحم الله سعد الطيب فقيد مدني والبلاد والحركة الرياضية، وستبقى ذكراه وبصماته الرياضية والإعلامية ومؤلفاته الثرة في علم التدريب نبراسا وهدى ينير دياجير الظلام للأجيال القادمة.
عبد العظيم صالح – (خارج الصورة – صحيفة آخر لحظة)