«على زوجة الرجل المثقف – في مجتمعنا – أن تكون كل نساء الأرض، والويل كل الويل إن هي قصرت في أن تعرف متى تكون هذه ومتى لا تكون تلك .. أعانها الله وإياه».. الكاتبة ..!
كتبت – غير مرة – عن المثقف السوداني الذي يؤدي دور شخصيتين متناقضتين في مسرحية واحدة.. يقضي جل وقته راكضاً بين خشبة المسرح وغرفة الملابس.. وتحدثت بتعاطف حقيقي عن تناقضه وحيرته الكبيرة بين ما يؤمن به ويُردِّدُه طوال الوقت، وما ترعْرعَ وشَبَّ عليه من أعرافٍ وأفكارٍ كثيراً ما تَقْفزُ إلى السَّطح عند أول اختبار حقيقي لأولويَّاته ومسلَّماتِه كرجل..وكيف أن الزواج هو محنته الكبرى وامتحانه التعجيزي.. لأن اختيار الشريكة المُلائمة التي تَملأ روحَه وقلبَه وتَسرُّ عينَه بينما تُقنِعُ وتُرضِي عَقلَه أمرٌ جلل يتطلَّب موازنةً مُرهِقةً بين موروثاتِه وتقاليدِه تلك وثقافتِه الحديثةِ وأفكارِه العصريَّة المنفلتَةعن عقال التقاليد ..!
وقد تمخض ذلك المقال – الذي طرحته للنقاش عبر الأسافير – عن حوارات مطولة وآراء متفاوتة، بعضها منطقي، وبعضها هجومي يصنف بعض الملاحظات على أنها «نقة» لا أكثر..أدهشتني الردود الحادة، وكاد اليأس أن يصيبني، قبل أن تستوقفني المداخلة التالية من أحد القراء:
«… أقول لك – يا سيدتي – هي الشيزوفرينيا الكامنة فينا «من ضمن الكرب الكثيرات التي بلينا بها».. يقف الرجل «جدي وجد جدي وكل من خلفوني خلفه» حين أتابع في حضور ابنتي الصبية الحلوة فيلماً ما على شاشة التلفاز.. «متحنفشاً» أكون وأنا ألعن «هوليوود» وتخريجاتها السفيهة «التي لا تضيرني متابعتها باهتمام حين تكون ابنتي بعيدة»..
ينتابني خجل وتململ من تلك اللقطات، ويسقط في يدي بين ما اعتقد في أنه «ما يجب أن يكون بحسبان ما ربيتها عليه من الحرية الناضجة» وبين جدودي الرجال الثيران الفحول السودانيين الذين يحتشد بهم دمي الذكوري الفوار «وحمّاهم الجرثومية القوّامة التي لا فكاك منها»..
وهكذا.. يبقى «الريموت كنترول» في يدي قطعة جمر حتى يسارع رقيب القناة «هل أقول كتر خيرو لأنه قرر عني وأراحني من تجاذبات الانتماءات في داخلي ليخرجني من ورطتي الانفصامية»؟!..
ثم يحدث أيضاً أن أقول لزوجتي:
«أصلو التوب ده ما جميل ولا شيء.. وبعدين موش شفاف أكتر من اللازم؟؟.. وللا شنو؟!..
ثم انتظرها – المسكينة- أن تلتقط هي الـ«ولَّلا شنو» هذه وتجدع التوب.. وكأنه قرارها هي، حتى أظل خالي مسؤولية وأكافيء نفسي بالرضا عن تقدميتي «الفالصو» فهي من قرر بـ«شناة» التوب وشفافيته.. أما أنا فـ بريء وطيب ورجل عصري تقدمي.. وغير ذلك.. وغيره.. وغيره..
نحن الرجال ورطة كبرى لنسائنا اللائي «من أعمالهن» سُلطنا عليهن.. أو على الأقل هذا ما أعرفه عن «أناي»…».
فكان ردي على تلك المداخلة: ستكون زوجتك ممتنة لاعتراضك المبطن على شفافية التوب المفترضة من جانبك.. وكلي ثقة بأنها سوف تهرع إلى تغييره بكل رضا.. أما ابنتك -حفظها الله- فواثقة أنا أيضاً من أنها لن تعذبك بـ هكذا تمزُّق لأنها ابنتك وسلوكها من صنع يديك..
ذاك عذاب نعاتبكم إن لم تتلظوا به في مثل هذه المواقف.. إنما دعوا إعادة الصياغة والتشكيل تقتصر على هكذا أمور، وامنحونا ثقتكم برجاحة خياراتنا، وناقشونا بلا أحكام مسبقة، وسترون كيف تصبح «النقة» والاتهامات في عداد العنقاء ..!