سوريون في السودان .. السودانيون أحاطونا بالكرم والاهتمام و توفير السكن وتقديم دعم مادي وعيني إلى 730 أسرة

أهل الشام بالسودان.. الخرطوم تمسح دموع دمشق
130 ألف سوري يختارون السودان وطناً ثانياً

توفير السكن وتقديم دعم مادي وعيني إلى 730 أسرة
مازن البيات: السودانيون أحاطونا بالكرم والاهتمام

أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يتحول الاستقرار الذي كانت تتميز به دولة سوريا إلى نقيضه، والواقع وبعد مرور خمسة أعوام على اندلاع الحرب يؤكد خروج ملايين السوريين عن موطن أجدادهم بحثاً عن حياة يتوفر فيها الاستقرار الأمني، ولتوفر العديد من المشتركات وللقرب الوجداني والاستقرار الأمني اختار ما يربو على المائة وثلاثين ألف سوري التوجه نحو السودان والذي فتح لهم أذرعه واحتضنهم كما توقعوا، ولأنهم حضروا إلى السودان في ظروف استثنائية نشط عدد من الجهات للوقوف بجانبهم حتى يتأقلموا على الحياة بوطنهم الثاني، ومن هذه الجهات التي تؤدي أدواراً كبيرة ومقدرة مكتب الإغاثة الذي أنشأه سوريون مقيمون بالخرطوم بالتعاون مع بعض المستثمرين السوريين في السودان، وكان هذا في عام 2012، وبدأ نشاط المكتب بإعانة ست أسر لتتوسع مظلته لتسع أخيرًا 750 أسرة، هذا بخلاف أدوار أخرى ينشط في أدائها، وبشهادة كثيرين فإن المكتب وبفضل تعاون الحكومة السودانية والخيرين من أبناء أرض النيلين نجح في أن يمثل ركيزة تتكئ عليها الكثير من الأسر السورية التي اتخذت السودان موطناً ثانياً لها.

دعم وحصر
قبل الولوج في تفاصيل مهام مكتب الإغاثة، فإن تقديرات توضح أن عدد السوريين بالسودان يبلغ مائة وثلاثين ألفاً ينتشرون في عدد من الولايات أبرزها العاصمة الخرطوم، وتبذل جهود من قبل عدد من الجهات وعلى رأسها مكتب الإغاثة لإجراء حصر دقيق لمعرفة العدد الحقيقي للسوريين بالسودان، وتجدر الإشارة إلى أن مكتب الإغاثة الذي يؤدي الكثير من الأدوار الداعمة للأسر السورية يتلقى دعومات من التجار السوريين بالسودان بالإضافة إلى رجال أعمال سودانيين وخيرين وجمعيات طوعية سودانية، ويرتكز مكتب الإغاثة في دعمه للأسر السورية إلى عدد من الأسباب منها مواجهة تكاليف الحياة المختلفة التي لا يمكن لكثير من الأسر الإيفاء بها نسبة لدخلها المحدود، علاوة على تقديم العون للأسر التي تعاني ظروفاً صعبة وتحتاج لمن يقف بجانبها، وينشط في مكتب الإغاثة عدد كبير من السوريين بالخرطوم منهم شباب يلعبون أدواراً في غاية الأهمية بل يعتبرون من المشاركين في تأسيس مكتب الإغاثة وخروجه إلى الوجود، علماً بأن مكتب الإغاثة يقدم شهرياً سلة متكاملة من المواد الغذائية للأسر المسجلة في كشوفاته بالإضافة إلى دفع راتب شهري لمعظم الأسر التي لا تملك عائلاً، ولا يتوقف دور المكتب على ما يقدمه من مواد غذائية ودعومات مالية شهرية بل يشمل أيضاً التكفل بنفقة إيجار سكن الأرامل والأيتام لعدد يتجاوز السبعين أسرة.

إستراتيجية ورؤى
ويرتكز عمل مكتب الإغاثة على عدد من الرؤى والخطط، وهنا يشير المدير التنفيذي مازن البيات الى أن فلسفة تقديم الدعم للأسر تقوم على عدم تسجيل ودعم الأسر التي يوجد فيها شباب أو أشخاص يعملون،وذلك حتى لا يتحول من يملك القدرة على العمل إلى إنسان متلقٍّ لا ينتج، ويلفت مازن البيات في حديث لـ(الصيحة) إلى أن المكتب، وفي سبيل توفير فرص العمل للعاطلين وذلك عبر الاتصال والتعاون مع عدد من الجهات سودانية وسورية، تتمثل في رجال أعمال وتجار وأصحاب شركات ومصانع وورش، ويقول إنهم كثيراً ما يجدون تجاوباً من الذين تجمعهم بهم علاقة الذين يؤكد حرصهم على توفير فرص العمل للشباب والعاطلين، ويؤكد أن السوريين وبطبعهم يرفض الفرد منهم أن يكون عالة على الآخرين، ويفضلون دائماً أن يكونوا منتجين وأصحاب إسهام إيجابي في المجتمع.

غير أنه ـ والحديث لمازن البيات ـ فرغم الجهود التي يبذلها المكتب لا يزال يوجد عدد من الشباب دون عمل وأنهم في المكتب يبذلون جهوداً كبيرة لإيجاد فرص عمل لهم.

الصحة والأولوية
من أهم الخدمات التي يحتاجها الإنسان توفر المشافي التي يتوجه إليها لتلقي العلاج والذي بطبيعة الحال يحتاج إلي أموال، وفي هذا الجانب فإن السوريين بالسودان ورغم ظروف بعضهم إلا أنه لا يمثل هاجساً كبيراً لهم، وذلك على أثر التجاوب الكبير الذي يجدونه من الحكومة السودانية التي قررت معاملتهم أسوة بأشقائهم السودانيين وهذا أمر له وقع خاص في نفوسهم، وينوب مكتب الإغاثة عن السوريين في تنسيق هذا الجانب، ونجح في تحقيق الكثير من المكاسب أبرزها بطبيعة الحال أن المكتب يغطي العلاج لأكثر من 90% من السوريين الموجودين بالسودان، وذلك عن طريق التأمين الصحي، وتعاقد المكتب مع شوامخ لتأمين الحالات الطارئة والولادة.

التعليم.. مجهودات في كل الاتجاهات
مثلما يحرص الإنسان السوري على أن يكون منتجاً ومؤثراً في مجتمعه فإنه بذات القدر يحرص على تعليم أبنائه حتى يتسلحوا بالعلم، وعندما اختارت أعداد كبيرة من السوريين الحضور إلى السودان فإن جودة وتوفر وانتشار التعليم كانت من الأسباب التي دفعتهم إلى اختيار السودان، عدد كبير من أولياء الأمور دفعوا بأبنائهم إلى مختلف المدارس الأساسية والثانوية، بعضهم تمكن من إثبات وجوده ونجاحه ونبوغه وتميزه، وآخرون جابهتهم ثمة مشكلات في طريق مشوارهم التعليمي أبرزها اللهجة السودانية وحرارة الطقس، وهذا قاد إلى تسرب 400 تلميذ سوري بالأساس والثانوي عن فصول الدراسة، وذلك من ضمن الأسر المسجلة في مكتب الإغاثة، علماً بأن الحكومة السودانية أتاحت مجانية التعليم للتلاميذ السوريين إلا أن الاختلاف في الأجواء واللهجة وقفا حائلاً أمام الأربعمائة تلميذ، وفي سبيل وضع حد لهذه القضية التي تؤرق أولياء أمور التلاميذ، فإن مكتب الإغاثة التقط القفاز وبادر ببحث أوجه حل هذه المشكلة خوفاً على ضياع مستقبل الصغار حيث أجرى المكتب دراسة لإنشاء مدرسة سودانية سورية يتلقى فيها التلاميذ السوريون تعليمهم وفقاً للمنهج السوداني وتحت إشراف معلمين سودانيين وسوريين، وذلك لحماية التلاميذ من التشرد ولدمجهم مع المجتمع السوداني.

ملتقى الإيمان ودور هام
وفي إطار الاهتمام بتأهيل وتعليم الأطفال السوريين تم تنظيم العديد من الأنشطة ومنها ملتقى الإيمان الذي يأتي تحت إشراف رابطة المرأة السورية بالسودان، واستهدف البرنامج في دورتين سابقتين تدريب وتأهيل 300 متدرب من الأطفال والنساء وكان الهدف الأساسي من الدورتين سد الفجوة التي نشأت لدى الأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس ونيل حظهم من التعليم، وقد استفادوا كثيراً من الدورتين حيث تم تدريسهم ثلاثة مواد هي (قرآن، تدبر، وعمل)، كما تضمن المنهج شرحاً للواقع وربطهم به، ولأن ملتقى الإيمان أصاب نجاحاً منقطع النظير فإن الترتيبات تجري حالياً لإقامة الدورة الثالثة في هذا الصيف.

تعاون ودعم
سألت المدير التنفيذي للمكتب مازن البيات عن التسهيلات التي يحظون بها من الحكومة السودانية، فبدأ الرجل منشرحاً وهو يمتدح الأدوار التي وصفها بالمقدرة ، وقال لـ(الصيحة) إنهم مهما امتلكوا من ناصية الكلم فإنهم لن يتمكنوا من إيفاء الحكومة السودانية كامل حقها، وأردف: يكفي أن الحكومة السودانية رفضت تسميتنا باللاجئين واعتبرتنا مثلنا مثل الإخوة السودانيين، ولم تكتف بهذا بل فتحت لنا كل الأبواب التي تساعد في إنجاح عمل مكتب الإغاثة، هذا بالإضافة إلى قراراتها الشجاعة التي كفلت للسوريين حرية التنقل والإقامة ومجانية التعليم، وبكل صدق فإن تجاوب الإخوة السودانيين رسمياً وشعبياً لم يجده السوريون في أي دولة أخرى.

جهات داعمة
وفي إجابته على سؤالنا حول الجهات الداعمة لمكتب الإغاثة أجاب قائلاً: نحن لا نتبع الى أي جهة سياسية أو غيرها، والعاملون في المكتب جميعهم متطوعون يعملون ابتغاء وجه الله تعالى، كما أن المكتب هو صلة وصل بين أهل الخير والإحسان الذين ينفقون ابتغاء مرضاة الله، وبين الأسر السورية المتعففة الذين ألجأتهم ظروفهم لدخول السودان.

إشادة وتقدير
أحد التجار السوريين وجه رسالة شكر لمكتب الإغاثة، وقال إنه انطلاقاً من أن مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله، لابد من الإشادة بالقائمين على أمر مكتب الإغاثة وعلى رأسهم الاخ مازن البيات وفريق عمله كاملاً، وكل الذين تبنوا منذ اللحظة الأولى الأزمة السورية وساندوا إخوانهم الذين وطأت أقدامهم أرض السودان، وأضاف: “بعد أن فضل حجب اسمه”: كما أزجي أسمى آيات الشكر للإخوة السودانيين الذين تبرع البعض منهم باستئجار عقارات وإبراجاً لإسكان إخوتهم السوريين، كما يوجد من حدد تبرعاً شهرياً عينياً ومادياً لأشقائه السوريين، وهذا دليل على كرم وسمو أخلاق الإخوة السودانيين، وأشار إلى أنه ونتاجاً لهذا الأريحية والدعم الكبير لا يوجد محتاج أو متسول سوري، لأن السودانيين لم يحوجوهم إلى هذا الأمر بفضل كرمهم وفتحهم منازلهم وإعانتهم للسوريين، وأضاف: الإخوة السودانيون حتى اليوم يرفضون أن يسموا السوريين لاجئين، وكان هناك للأسف الشديد بعض السوريين قاموا بمحاولة اللجوء إلى مفوضية الأمم المتحدة وتحويل ملف السوريين في السودان إلى لاجئين، وقفنا في هذا الموضوع وقفة كبيرة جداً، وهناك قانون في السودان يمنع تسمية العربي لاجئاً، وهذه وقفة مشرفة للحكومة السودانية حيث فتحت أبوابها مشرعة للسوريين بدون قيد أو شرط.

*صحافية سورية سودانية مقيمة بالخرطوم
تحقيق: ميريام عمران خليفة
صحيفة الصيحة

Exit mobile version