سوريون في السودان.. المستثمرون.. الهروب من جحيم الحرب إلى السودان

الحرب ترفع عدد مستثمري سوريا بالسودان إلى (3) آلاف
توطين صناعة البلاستيك وتفوق في القطاع الزراعي

محمد قاسم معضماني: عدم استقرار سعر الصرف أبرز العقبات
مستثمر سوري: نحظى بتعامل خاص في السودان

“هذه ليست مشاريع اقتصادية ذات فائدة”، هكذا يردد البعض حينما ينصب الحديث على الاستثمارات السورية بالسودان، فأصحاب هذا الرأي يعتقدون بأن الكافتريات وصوالين الحلاقة التي تعود ملكيتها الى سوريين لا تعود بمكاسب اقتصادية، غير أن الصورة تبدو هنا غير مكتملة لجهة أن الاستثمارات السورية في السودان لا تنحصر على محال تقديم المأكولات وتزيين الرجال، وفي إطار تقصينا تكشف لنا ولوج مستثمرين سوريين برؤوس أموال ضخمة مجالات مختلفة من الاستثمار منها الزراعي والصناعي، وحتى نستبين الحقيقة يظل التساؤل قائماً،”هل تنحصر الاستثمارات السورية في الكافتريات وصوالين الحلاقة فقط”.

استدعاء الماضي
قبل التقصي عن حقيقة الاستثمارات السورية في السودان وجدواها الاقتصادية، تشير أوراق التاريخ الى أن علاقة السوريين التجارية بالسودان بدأت باكراً وتحديدا قبل 150 عاماً، واشتملت في بدايتها على العمل في بعض ضروب العمل التجاري، غير أنها وبحسب مختصين توسعت بمرور الأيام وشملت عدداً من القطاعات المؤثرة خاصة مجال صناعة الملبوسات والأدوات الزراعية، أما المرحلة الثانية من الانفتاح التجاري السوري على السودان والذي يؤرخ له البعض بأن بدايته كانت في عقد التسعينيات من القرن الماضي، فقد شهد تحولاً كبيراً بعد أن وجد عديد مستثمرين سوريين مناخات الاستثمار في السودان جيدة وواعدة ومجالاتها متعددة ولا توجد عوائق وعقبات تحول دون تحقيق مشروعاتهم الاستمثارية لنجاحات اقتصادية ينشدونها، وفي تلك المرحلة كان التركيز كبيراً على الصناعات الهندسية لتوفر الخامة والأيدي العاملة المدربة، فكان أن وضع رجال أعمال سوريين أموالهم في مجال تصنيع الحديد والصلب لتكون تلك المرحلة البداية الحقيقية للاستثمارات السورية في السودان.

صناعات تحويلية
بعد ذلك شهد الاستثمار السوري في السودان خاصة على صعيد القطاع الصناعي تطوراً كبيراً وازدهاراً، وذلك بقيام مصانع متخصصة في صناعة الحديد والمواسير بكل أشكالها، الهناكر، ألواح الزنك، البيوت المسبقة الصنع، والصناعة البلاستيكية التي كان للسوريين دور كبير في توطين صناعتها بالسودان ووصوله مرحلة الاكتفاء الذاتي، وعلى أثر هذا تفوق السودان على العديد من الدول الافريقية، وبالتزامن مع الاستثمار السوري الصناعي، فقد أفرد رجال الأعمال اهتماماً كبيراً بالاستثمار الزراعي لتبرز فكرة البيوت المحمية التي انتشرت في السودان وحققت نجاحات كبيرة رغم أن بعضها توقف عن العمل لظروف مختلفة.

تدفق سوري
المرحلة الثالثة والأخيرة وهي المرحلة التي تلت الحرب في سوريا حيث دخل إلى السودان عمال مهرة وأصحاب رؤوس أموال وأصحاب حرف رئيسية قسم منهم دخل في مجال الاستثمارات الخدمية السياحية في مجال المطاعم والمحلات التجارية، وفي إطار تقصينا عن الاستثمار السوري في السودان تبين لنا أنه شهد طفرة كبرى وتدفقاً واضحاً في الفترة من عام 1995 حتى عام 2011 حيث أنشئت عشرات المصانع في مختلف المجالات ( منظفات، بلاستيك، صناعة صهر الحديد، التعدين، شركات نقل، وشركات سياحية) وكلها استثمارات صناعية حقيقية أسهمت في رفد الاقتصاد السوداني وتوفير فرص عمل وتدريب الكثير من الأيدي العاملة السودانية.

مجالات متعددة
ولم يقتصر الاستثمار السوري في السوداني على المجالات السالف ذكرها بل توسع وتمدد حتى شمل مجال البنى التحتية عبر عمل شركات سورية في مجال المقاولات المتخصصة بالتطوير العقاري والطرق، حيث توجد أكثر من خمس شركات تعمل في مجال المقاولات والتشييد، وتكشف الأرقام عن وجود ثلاثة آلاف عامل سوداني في مجال المنسوجات التي تعود ملكيتها لمستثمرين سوريين في السودان، وتوضح أيضاً أن الاستثمارات السورية في مختلف المجالات الاقتصادية تتراوح بين 75 إلى 80 مشروعاً، وتكشف الأرقام عن عدد المستثمرين السوريين في السودان وصل إلى ثلاثة آلاف مستثمر.

الاستثمار السوري والصيني
سألت المستثمر السوري محمد قاسم معضماني حول تاريخ الاستثمار السوري في السودان ومراحل تطوره فقال: الاستثمار السوري في السودان اعتبره رائدًا ومؤثراً ومردوده يبدو واضحاً على أرض الواقع، وإذا عقدنا مقارنة بينه والصيني نجد أن الصينيين استثمروا في مجال المشاريع الكبيرة جدًا التي تحتاج الى رأس مال اكثر من خمسمئة مليون دولار، ونجد كذلك أن السودان لم يستفد من الاستثمار الصيني خاصة فيما يتعلق بالعمالة وذلك لأن معظم الشركات الصينية تحتضر معها عمالة من موطنها،عكس الاستثمار السوري الذي أفرد مساحة واسعة للأيدي العاملة السودانية التي أؤكد على أنها تتمتع بدرجة عالية من الحرفية والكفاءة، وكذلك فإن الاستثمار السوري على عكس الصيني له تأثير مباشر على السوق بضخه لعملات تسهم في إحداث حراك وتنشيط، وذلك لأن المستثمر السوري يوجه رأس ماله وأرباحه داخل السوق السوداني، وهذا بالتأكيد له فوائد عديدة على الاقتصاد السوداني.

تأثير الحرب
تأثر الاستثمار السوري بالحرب في سوريا بشكل كبير وذلك حسب قول السيد محمد قاسم معضماني، وأضاف: كان عدد المستثمرين السوريين في السودان في الفترة من العام 1995 إلى 2011 لا يتجاوز المائتي مستثمر، ولكن بعد اندلاع الحرب في سوريا قفز الرقم إلى ثلاثة ألف مستثمر، ورغم أنه في هذا ضرر كبير وقع على الاقتصاد بسوريا إلا أن وصول عدد المستثمرين السوريين في السودان الى ثلاثة آلاف يوضح أنه جاذب وتتوفر فيه المقومات التي يبحث عنها أصحاب المال.

معوقات
رغم توسع الاستثمار السوري في السودان وولوجه كافة المجالات الاقتصادية إلا أنه ومنذ العام 2010 وبحسب مستثمرين واجه بعض العقبات والتي تمثلت في عدم استقرار سعر الصرف وهبوط سعر الجنيه مقابل الدولار مما أدى إلى تراجع بعض المستثمرين عن ضخ مزيد من رؤوس الأموال وتطوير صناعتهم، ولكن بعد ذلك اضطروا إلى التعايش مع الوضع الحالي ومغالبة الظروف والتشبث بالاستمرارية، وكذلك يشكو المستثمرون السوريون من شح المواد الخام وتعدد الجهات التي تتحصل الضرائب والرسوم، ويشيرون الى أن هذا قاد الى توقف عدد من المصانع، ويشير مستثمر ـ فضل حجب اسمه ـ إلى أن عددا مقدراً من المستثمرين السوريين باتوا يحملون الجنسية السودانية، وهذا جعلهم يبحثون عن تطوير الاستثمار بالسودان الذي احتضنهم، غير أنه يوضح لفتهم لنظر الجهات المسؤولة عن الاستثمار في السودان أكثر من مرة الى ضرورة إزالة المعوقات التي تقف في طريق الاستثمار الأجنبي ومن ضمنها تعدد نوافذ الرسوم والضرائب التي طالبوا بتوحيدها، بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في قانون العمل، ويشير إلى أنهم طالبوا أيضاً بفتح نوافذ لتمويل المستثمرين حتى يتوسعوا في مشاريعهم.

الاستثمارات الناجحة
ويعود معضماني ويشير إلى أن الاستثمارات السورية الناجحة في السودان كثيرة ، وأبرزها في الصناعات البلاستيكية التي بات السوريون من روادها وكذلك صناعات الحديد والأحذية والملبوسات، وقال إن السوريين حققوا كذلك نجاحاً كبيراً في مجال الفندقة والسياحة، هذا بالإضافة إلى ولوجهم المجال الزراعي الذي ضخوا فيه أموالاً مقدرة ويمتلك حالياً سوريون عشرات الآلاف من الأفدنة بالولاية الشمالية وسنار.

تقصير سوري
ويشير معضماني الى أن المستثمرين السوريين بالسودان يخضعون لقانون الاستثمار للعام 1999 وتعديلاته، مؤكدًا استفادتهم من المميزات التي حواها، غير أن معضماني يبدي حسرته على القصور الذي شاب أداء الحكومة السورية في تعاملها مع الملف السوداني خاصة على صعيد التبادل التجاري والعمل الاستثماري وذلك في الفترة من 2002 الى 2010 وذلك لأنها لم تستفد من الانفتاح السوداني تجاه الأسواق السورية، وأضاف: خلال هذه الفترة لم تستثمر الحكومة السورية ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين وذلك عبر تطوير علاقتها مع السودان وتوقيع اتفاقيات اقتصادية كان من الممكن أن تعود على سوريا بفوائد كبيرة خاصة في مجالات المقاولات والبنى التحتية والصناعات المختلفة، وقال إن الحكومة السورية إذا عقدت توأمة اقتصادية مع السودان أو بين رجال الأعمال في الدولتين لاستفاد منها المستثمرون السوريون كثيراً بعد اختيارهم السودان، وحدوث هذا كان من شأنه وضعهم في المرتبة الأولي بالسودان من ناحية الاستثمار، ويشير الى أن الحكومة السودانية سعت جادة في تلك الفترة لفتح أبواب الاستثمار والتعاون مع الجانب السوري.

مساعدات وتسهيلات
ويجمع عدد من المستثمرين السوريين ومنهم محمد قاسم معضماني على أن أنهم يحظون بتعامل جيد من الشعب السوداني وحكومته، ويلفتون الى أن السوري لا يتم التعامل معه على أساس أنه أجنبي بل يحظى بتعامل يذهب في اتجاه التأكيد على أنه جزء لا يتجزأ من السودان، معتبرين أن التسهيلات التي يتمتعون بها لا تأتي من باب الشفقة من السودانيين، ولكن حتى يساهموا في دفع عجلة الاقتصاد بالسودان عبر الإنتاج في مختلف المجالات التي يبرع فيها السوريون، ويشيرون إلى أنه حتى صعيد الوظائف بكبريات الشركات السودانية فإن السوريين يتمتعون بفرص جيدة في التوظيف، ويؤكدون أن هذا الواقع لا يجده السوريون في معظم الدول وأبرزها الخليج، ويعود معضماني ويقول: من عمق المحنة تأتي المنحة، وبقدر ما تقطر قلوبنا دماً حزناً على ما يحدث بسوريا وتداعياته المؤلمة التي فرضت على الشعب السوري أن يضرب في فجاج الأرض باحثاً عن مصادر الرزق في مختلف بقاع العالم لأنه شعب منتج ومعطاء، فإن الذين اختاروا السودان دخلوا في توأمة مع السودانيين، ونشأت علاقات اقتصادية واجتماعية وهي من شأنها الدفع بعجلة التعاون بين البدين الى الأمام .

*صحافية سورية سودانية مقيمة بالخرطوم

تحقيق: ميريام عمران
صحيفة الصيحة

Exit mobile version