عبثية العنف
ليس من بُدٍّ في ما يلي موضوع العنف، سوى الإشارة إلى مقولة فردريك أنغلز: “إن العنف في تمايزه عن السلطة أو القوة بحاجة دائمة إلى أدوات”، هذا من ناحية، لكن في الأخرى، إلى حين العودة إلى أنغلز مرة أخرى، يظل العنف في مفهومه التجريدي “مظهرًا من المظاهر المتأصلة في الوجود البشري الفردي والجماعي، وهو ظاهرة تجد بعض مبرراتها في البنية البيولوجية والنفسية والسلوكية للإنسان؛ لكن لا ينبغي بالرغم من ذلك أن ننخدع ونرى العنف هو ذلك العدوان المادي الجسدي فقط، لأن له أشكالاً وتجليِّات رمزية أكثر خطورة وتأثيرًا”.
وإننا حينما نُمارس العنف نتصرف كما لو كُنا وحدنا في مجال الفعل، مما يعني أن ممارسة العنف على الغير فيها نفي لإرادته وحريته. وهذا ليس – كما يبدو للوهلة الأولى – عطفًا على (هوبز) الذي يقول بـأصل العدوانية في الإنسان بحكم طبيعته الحيوانية التي تجعل منه ذئبا إزاء أخيه الإنسان، فمهما كان الأمر كذلك إلا أنه لا يمكننا تبرير ممارساتنا العنيفة بدون استحضار الشروط الموضوعية الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تهيجها وتعزز ظهورها.
وعليه، فإن من المؤكد، أن قراءة ظاهرة العنف المبرر (دينيًا)، كما حالتي القاعدة وداعش وما يماثلهما من تنظيمات إرهابية أخرى تتوسل المقولات الدينية لتبرر ممارساتها العنيفة، لن تثمر إجابات ما لم نضع الأسئلة في سياقاتها الموضوعية التي تعززها، وهي دون شك متوفرة في المنطقة العربية إلى حد أن الحرب التي تخوضها هذه الجماعات ضد (أي أحد) إلاّ هي، وربما (هي) ذاتها لن تكون مستثناة إذا ما دانت لها الأمور على الأرض. وما المعارك التي دارت رحاها بين داعش والنصرة في سوريا ببعيدة عن الأذهان، وهكذا تبدو عبثية العنف الذي تمارسه هذه المنظمات و عدم جدواه.
وعليه، فإن الناظر إلى طريقة إدارة العنف التي تجترحها تلك الجماعات، وهو هو عنف خارج السلطة والقوة (الحكومات والجيوش النظامية)، بحسب مقولة أنغلز، لذلك فهو بطبيعة الحال بحاجة دائمة إلى أدوات، فما هي تلك الأدوات ومن أين تأتي بها تلك الجماعات؟
لا شك، أن الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، هي بعض تلك الأدوات، إلا أن هذه الظروف كلها كحزمة واحدة يحتاج إشعالها إلى تبرير ديني (حرب مقدسة/ جهاد)، وهذا ما استطاعت تلك المنظمات استثماره ونجحت في ذلك نسبيًا، لكن مؤقتًا، حيث لا هدف نهائي لهذه اللعبة أكثر تأسيس إمارات إسلامية على النموذج (الطالباني) والطراز (الداعشي)، وهاتان التجربتان شديدتا الخزي بالغتا الفشل، وهذا أمر لا يحتاج استطراد وتفصيل لجهة أن راهن وواقع.
أما الأدوات الأخرى – خارج تلك الحزمة التي أسميناها الظروف الموضوعية، فأهمها تسخير التقنية الحديثة لصالح المشاريع العُنفيَّة الجارية، إذ أن هذه التقنيات تطورت إلى حد لم يعد ممكنًا معه القول إن ثمة غاية سياسية تتناسب مع قدرتها التدميرية – كما أشارت (حنّا آرنت) في كتابها المعنون (في العنف)، الذي لفتت فيه ببراعة شديدة إلى أن هذا النوع الجديد من العنف، هذه الأساليب الجديدة من الحرب (تفجيرات وتفخيخات وهلم جرا)، لا تسفر في النهاية عن مؤزر لطرف على الآخر كما في الحروب التقليدية بين الجيوش النظامية، بل في الغالب تسفر عن نهاية كل الأطراف الوالغة فيه، لأنها لعبة لا يقوم هدفها (العقلاني) على إحراز النصر. وهذا في تقديري قمة العبث.
اعتقد حنا اسم مذكر ،،،،والله اعلم