ضحايا التفجيرات الانتحارية

أثارت التفجيرات الأخيرة في العاصمة البلجيكية بروكسل “المطار ومترو الأنفاق”، موجة من الأسئلة القلقة التي تبرز مع كل تفجير إرهابي جديد، لاسيما إن كان موقعه أوربا. واحد من الأسئلة التي تثار في كل مرة تتعلق بطبيعة المنفذين الأفراد من الانتحاريين، ومحاولة التعرف على الأسباب النفسية والاجتماعية التي قد توضح كيفية اختيارهم مثل هذا الطريق المأساوي لهم ولغيرهم، وعن الأساليب التي تتبعها الجماعات الإرهابية في شحن هؤلاء الشباب وإقناعهم بجدوى هذا الفعل الشنيع، وتصبح الأسئلة أكثر إرباكا حين تكشف السيرة الشخصية لأحد الانتحاريين أن حياته كانت تمضي في مسار عادي سواء أكان أوروبيا من أصول شرق أوسطية أو كان مسلما ينتمي لبلدان المنطقة العربية أو أفريقيا.
سؤال آخر يتعلق بالضحايا وطبيعتهم بدأ يطفو مؤخرا بعد ارتفاع وتيرة التفجيرات الإرهابية في أوروبا وتنامي موجة الإسلاموفوبيا – كراهية المسلمين، بتغذية مباشرة من الأحزاب اليمينية المتطرفة استغلالا لحالات الرعب التي تجتاح المواطنين الأوروبيين عقب كل تفجير انتحاري كبير مثل ما حدث قبل يومين في بلجيكا. فضحايا هذه الأحداث الإرهابية ليسوا أولئك فقط الذين يقتلون أو يصابون أثناء تنفيذ العملية، الضحايا أيضا هم أولئك الأبرياء من المسلمين والشرق أوسطيين بصورة عامة الذين يعيشون في أوروبا وأصبحوا بعد كل تفجير انتحاري إرهابي هدفا للشكوك وتحت حصار الخوف والارتياب من أن تطالهم هجمات كراهية مرتدة نتيجة فعل منسوب إليهم بالهوية – الإسلامية والعرقية.
ضمن الحكايات التي رواها الناجون من تفجيرات مطار بروكسل الأخيرة، قصص رواها مواطنون من الشرق الأوسط، أعربوا عن خوفهم ورعبهم في تلك اللحظات، ليس من شبح الموت الذي كان يظلل الجميع فقط ولكن أيضا (قلقا) من ملامح وجوههم التي قد تجرهم إلى خانة الاتهام خلال تلك اللحظات العصيبة التي واجهت الجميع، مسافرين وعابرين وشرطة وأجهزة أمنية؛ فأن تكون إنسانا بملامح “عربية – أفريقية – آسيوهندية”، أصبح من الأشياء المثيرة للشك والريبة في حرب الإرهاب العنيفة الدائرة الآن، والتي تستخدم فيها الجماعات الإرهابية أسلوب التخفي والذوبان وسط الآخرين لتنفيذ عملياتهم القذرة تقتيلا وإفزاعا للجميع دون فرز.
أوروبا الآن مواجهة بأكبر تحد في العصر الحديث، اختبار حقيقي لقيمها أمام التغيرات الديموغرافية الكبيرة التي تحدث في أراضيها لصالح المهاجرين، وفي مواجهة غول الإرهاب الذي لن ينتهي إلا في حالتين؛ إما القضاء عليها نهائيا، أو تدميره للحضارة الإنسانية الحديثة تماما.

Exit mobile version