على نظام «إذا ما طاعك الزمان طيعه» ظهرت أخيراً نماذج من حالات التكيف والخضوع لواقع تقليدي دون محاولة لدراسة الحالة وأبعادها النفسية والاجتماعية في واقع يجيز تعدد الزوجات بعالمنا العربي بأساليب عديدة ومحفزة لهذه القضية، ظهر منها إعلانات متداولة عن دورات تثقيفية على سبيل تطوير الذات تقتضي في مضمونها تقبل المرأة للإهانة في التكيف مع زوج معدد، إضافة إلى بعض ما ورد في المقالات لكاتبات يتعاطفن مع وضع الرجل الحالم بالرفاه العاطفي وحيازة العدد الممكن من النساء -بالرغم من أن الواحدة تكفيه في الوضع الافتراضي- مما جعلها تجد انتشارا وقابلية في مجتمع يتبنى هذا النوع من الأفكار.
قد لا يدرك بعض المحفزين لهذه الفكرة أن ما يكتبونه ويشجعون عليه يعتبر إهانة للنساء والرجال على حد سواء، فهم يرسخون تصور الناس عن أنفسهم في إطار غريزي محدد، حيث يحصرون بهذه الأفكار دور أحدهم في الانقياد خلف الغريزة كونه يعيش حالة من الاضطراب والاندفاع الذي لا يعترف به كمرض، بينما يصور الطرف الآخر ذليلا عاجزا عن إسعاده، وأصبح من السهل أن يتلاعب الرجل بنفسية زوجته ويهددها «بالخيانة الشرعية» كلما تطلب الموقف إهانتها وإرضاء مزاجه.
الموضوع يأتي من عدة أبعاد، فمن يتحجج بالتعدد كحل للعنوسة عليه العودة إلى تعقيد النظم الاجتماعية وتصحيح معاكستها للمسارات الطبيعية التي انتهكت بناء العلاقات الإنسانية وفصلت بين الجنسين وجعلت كلا منهما يعيش عالما مختلفا عن الآخر، قدست الرجل ومحت عيوبه وحاصرت النساء وتسببت في تكدسهن في المنازل بلا طموح وبلا عمل وبلا تعليم وبلا زواج، فأصبحت حياة الفتاة ومستقبلها مرهونا برجل تنتظر منه أن يختارها ويحدد الرغبة بالزواج منها، حينها نجد النساء يتقبلن لأنهن لم يتعلمن ما هي قيمة الاختيار.
من العلاقات الزوجية ما يبقى ومنها ما ينتهي ولكن لكل ارتباط إنساني حقوق وواجبات، وتعاملات تبنى على الآداب والقواعد الأخلاقية، وكان الأحرى أن نركز على الأساليب التي من شأنها إنجاح العلاقات والتشجيع على بنائها بالشكل السليم وما يعانيه المجتمع من نقص في المؤسسات التأهيلية للزواج، ذلك أفضل من تحويل المجتمع وتطلعاته إلى صفات ريعية عاجزة عن القيام بأدوار اجتماعية فعلية.
نعم، زوجة واحدة لا تكفي لرجل يكبر ولا ينضج، مصاب في استقراره النفسي، لم يبلغ درجة من النضج العاطفي والإنساني، وما يزيد المشكلة أن يأتي أحدهم بها من باب طرح الحلول بينما هو يؤزمها أكثر.
نقلا عن عكاظ