أرجو من القراء الكرام قراءة المقال التالي بعقل مفتوح، فقد والله لمس الفقيه المصري الشاب والعالم الأزهري الشيخ عصام تليمة مشكلة كبرى متفاقمة تعاني منها الآن كل المجتمعات المسلمة، ألا وهي مشكلة الطلاق، حيث زادت نسبة ضحاياه بشكل مدهش جراء المشكلات الاجتماعية والأخلاقية والغزو الثقافي والفكري الذي جعل الأمة الأسلامية في ظل الهجمة والغارة العسكرية والسياسية والثقافية الغربية الظالمة على عالمنا الإسلامي منطقة ضغط منخفض تهب عليها من كل الاتجاهات تيارات وأعاصير الثقافات الوافدة، الأمر الذي يذكرني بالآية الكريمة التي نزلت لتصف حال المسلمين المحاصرين خلف الخندق في غزوة الأحزاب (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)، نعم ، تزايدت معدلات الطلاق بصورة مخيفة مما أحدث زلزالاً بل زلازل في مجتمعات المسلمين، وأدى إلى تفكك أسري مريع، يخشى إذا لم يتم تداركه أن يهدم أهم الحصون التي تحمي المجتمع المسلم والأسرة المسلمة ويميزها على المجتمعات الغربية وغيرها.
الشيخ عصام تليمة كتب بحثاً اجتزاه في المقال التالي تحت عنوان (الطلاق بحضور شاهدين)،والذي استند فيه على أقوال بعض الثقات من العلماء أمثال الإمام الأكبر العلامة الشيخ محمد أبو زهرة، وعندما طرحت الأمر على بعض العلماء السودانيين انفعلوا بالمقال وبالفتوى ووعدوا بدراستها في مجامعهم الفقهية، وكما يقول الإمام الثوري (إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشدد فيحسنه كل أحد)، وأرجو أن اترككم مع المقال :
=========
تقف عقلية بعض المشايخ وفقههم عائقاً كبيراً أمام حل مشكلة الطلاق، فالفقيه الحق مطلوب منه أن يتسع أفقه ليطّلع على كل الآراء الفقهية، وكل الأدلة، خاصة في قضية حساسة وشائكة كالطلاق، التي تزداد يوماً بعد يوم، وأهم ركن في الطلاق نرى المشايخ لا يشترطونه، ولا يعتمدونه في فتاواهم، هو وجود شهود على الطلاق، فنراهم يوقعون الطلاق، بمجرد تلفظ الرجل لفظ الطلاق، فتهدم مؤسسة الأسرة بكلمة، رغم أن الشرع الإسلامي عندما شرع الزواج اشترط فيه الشهود. فإذن لا تباح الفروج إلا بنص شرعي، وأركان وشروط، ومنها: الشهود، فكذلك لا تحرم الفروج إلا بنفس الشروط والأركان، فقد سمى الله الزواج: (الميثاق الغليظ)، فكيف نترك فك هذا الميثاق الغليظ لكلمة طائشة تخرج في غضب، ودون شهود، رغم أنها توثقت بشروط شديدة جدًّا.
وإذا كان المشايخ يستنكرون الزواج العرفي الذي يتمّ بين بعض طلبة الجامعة، الذي يكون بغير شهود، وبغير توثيق، ويفتون بحرمته، فكيف نتناقض في نفس الأمر في الطلاق، ونعترف بما هو غير موثق، وغير متوافر فيه شرط الشهود؟!
لقد تناول القرآن الكريم قضية الطلاق والمراجعة، في سورة الطلاق، فقال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق:2، فالآية الكريمة الواردة في سورة (الطلاق)، والتي عنيت بالحديث عن الطلاق بين الزوجين، تُبين أمراً مهمًّا، وهو أنه تُخيِّر الزوج بين المعاشرة بالمعروف، وإلا فمفارقة بالمعروف، وعند المفارقة مطلوب: أن يشهد ذوا عدل منا، وأمر الله تعالى الشهود بأن يقيموا الشهادة لله، دلالة على أهمية الإشهاد هنا، ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور: (وظاهر صيغة الأمر: الدلالة على الوجوب، فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجباً على الأزواج، لأن الإشهاد يرفع أشكالاً من النوازل، وهو قول ابن عباس، وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية، والشافعي في أحد قوليه، وابن حنبل في أحد قوليه، وروي عن عمران بن حصين، وطاووس، وإبراهيم، وأبي قلابة، وعطاء(.
بل إن فقيهاً كبيراً كابن حزم الظاهري رأى وجوب الإشهاد، في الطلاق والرجعة، فقال: (إن الله قرن بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، وكل من طلَّقَ ولم يُشهد، أو راجع ولم يشهد، متعدياً لحدود الله).
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة مرجحاً شرط الإشهاد في الطلاق: (وإنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، يمكنهما مراجعة الزوجين فيضيِّقان الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحة، وينكره المطلِّق إن لم يكن له دين. والمرأة على علم به، ولا تستطيع إثباته، فتكن في حرج ديني شديد).