* لما كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان ترحل جنوبا على متن خيار الإستقلال، كانت ترحل بثلاثة أرباع نفط دولة السودان الأم، ما يقارب ثلاثمائة وخمسين ألف برميل، بواقع أسعار فوق المائة دوﻻر للبرميل، بينما تركت وراءها وزارة النفط السودانية التي استخرجت النفط وأنتجته، تتحول دولتها بين ليلة وضحاها من دولة منتجة ومصدرة للنفط إلى دولة مستوردة!!
* لم يكتف الثائر باقان أموم ورفاقه بهذه الحصة المقدرة من ثروة النفط، والذهاب بها إلى مضمار تشييد بنيان ومقومات الدولة الوليدة، وتعويض شعب أخذ حصصه كاملة من الاحتراب والنزوح والمرض، وآن له أن يستريح تحت ظل دولته وثروته وتنمية بلاده واستغلال ثرواته.
* فبدلا عن ذلك رأى ثوار الحركة الشعبية لتحرير السودان تدمير ما تركوه وراءهم من حصة نفطية على زهدها، فكانت أول مكافأة للدولة التي أهدتهم (دولة مدورة)، هو الهجوم على منشآتها النفطية على نحو الذي حدث في منطقة هجليج النفطية!!
* لم يكن هنالك مسوغ أخلاقي، كان بإمكانه أن يوقف أحلام بعض ثوار الحركة في تدمير الدولة السودانية الأم، ومن ثم على ركامها تشييد (دولة السودان الجديد)!!.. لوﻻ أن أقدار الله سبحانه وتعالى تضافرت لصالح قطع الطريق أمام هذا الاتجاه!!
* فتحققت في بادئ الأمر نبوءة ذلك الجنوبي الذي نبه الثوار منذ نحو وقت مقدر، من مغبة الإقدام على خيار الانفصال، معللا ذلك بقوله، إن الشماليين لنا بمثابة ورق الفلين الذي يوضع بين ألواح الزجاج، فحالما ينزع ورق الفلين، الذي هو نحن، (فسيتطاقش ﻻ محالة الزجاج)!!
* لم يمض طويل وقت على الانفصال حتى حدث الاقتتال القبلي، ليدفع بكل أسف وأسى شعب الجنوب المسالم ثمن فاتورة نزوعات الرفاق المستحيلة!! فاشتعلت النيران في الغابات الاستوائية وتناثرت الجثث على قارعة الطرقات وسالت دماء الأبرياء!! ولم تكن النتيجة الصادمة سوى إضافة دولة فاشلة إلى منظومة المجتمع الدولي!!
* غير أنه من المؤسف حقا في تراجيديا هذا المشهد المأساوي، أن (أبطال الأزمة) حال حدوث الحريق لم يملكوا إلا أن يلتحقوا بأسرهم وأرصدتهم في نيروبي ولندن، تاركين وراءهم الأبرياء للغابات والحريق!!
* ولم يكن بوسع دولة السودان الأم برغم الكيد والمؤامرات، إلا أن تضطلع بدور الأخوة، فسعت للصلح بين الفرقاء الجنوبيين وﻻزالت تفعل، بل وتمضي إلى أكثر من ذلك وهي تفتح الحدود أمام شعب تحت وطأة المجاعة!!
* والخرطوم إذ تبذل معروف فتح الحدود، لم يكن ذلك إلا (لله) ومن ثم لشعب الجنوب.. تعهدات بحسن جوار من (أشلاء دولة فاشلة) وبقايا ثورة وحطام ثوار!!
* ولم يمض طويل وقت يجعل أخبار وأحبار تلك التعهدات تجف.. حتى يجعل ثوار الحركة الشعبية جثثهم المتناثرة على قارعة الطرقات.. وحرائقهم جانباً.. ومن ثم يذهبون في لملمة فلول الحركات المسلحة لإعادة محاولة غزو الخرطوم.. وليس للخرطوم ذنب سوى أنها قادرة في كل مرة على التغلب على مرارات جارتها اللدود.. ومن ثم فتح صفحة جديدة في كراسة مهترئة لم تعد بها صفحات جديدة.. فكل الصفحات قد سودت بخيانة التعهدات!!.. هل نرسل هذه الكراسة سيئة الذكر مريرة الذكريات إلى ذاكرة التاريخ.. ونقفل الحدود بالضبة والمفتاح؟!!.. لك أن تتصور كيف إذا نجحت هذه (الدولة الفاشلة).. أزعم أن أول قرار للسيد فاقان أموم سيكون غزو السودان الجديد القديم!!