* كشف المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بالخرطوم، عن (خطة) لإغلاق المحلات التجارية ومناطق العمل في الخرطوم (طوعاً) عند سماع الأذان في إطار تعظيم شعيرة الصلاة، وقال رئيس المجلس جابر عويشة: “الناس تتوقف عن العمل على أن تعاود بعد أداء الصلاة”، وأكد أن ترتيبات المشروع جاهزة وفي انتظار رئيس الجمهورية لتدشينه، وأشار إلى تفاهمهم مع أصحاب المحلات بـ(الجريف وأم دوم شرق) على إغلاق محلاتهم عند سماع الأذّان كبداية للمشروع، وسيعمم بعد ذلك على كل أنحاء العاصمة!!
* بادئ ذي بدء انظروا إلى التناقض الفظيع الذي يحمله التصريح الخطير.. إغلاق طوعي للمحلات، مع خطة أُعدت لإغلاق المحلات، واتفاق مع أصحاب المحلات في بعض المناطق كبداية، (على أن يعمم) المشروع بعد ذلك على جميع أنحاء العاصمة.. ونتساءل: كيف يكون المشروع طوعياً، وهنالك خطة معدة ومحلات ستغلق بناءً على (اتفاق) مع أصحابها (كبداية) للمشروع الذي (سيعمم على جميع أنحاء العاصمة) فيما بعد؟!
* من المؤسف ألا يرى بعض المسؤولين إلا فى حدود دائرة مسؤولياتهم المباشرة، ويعجزوا عن رؤية ما يدور من حولهم لاتخاذ القرار الصحيح، فالعالم يعاني من الإرهاب والأفكار المتطرفة وسفك الدماء بسبب الفهم المتشدد للدين وإقحام أشياء على الدين ليست جزءاً منه، ولها القدح المعلى في انتشار التطرف والتشدد، الذين يسعى الكل بكل ما أوتي من فكر وجهد لمكافحتهما، وتغيير المفاهيم وإعادة النظر في السياسات والمناهج ونشر الفكر الديني المعتدل والميل نحو الوسطية كوسائل فعالة لمكافحة التطرف والتشدد والإرهاب، وعلى رأس من يفعل ذلك، المملكة العربية السعودية، التي عانت ولا تزال من الفكر المتطرف، وهي تراجع الآن الكثير من الأشياء ومنها غلق المحلات، خاصة أنه لا يستند الى سابقة أو مرجعية، فلم يُعرف في صدر الإسلام هذا النوع من الأفعال، كما أن التوجيه الوحيد الذي حمله القرآن الكريم في هذا الشأن هو الخاص بصلاة الجمعة (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون)، الذي جاء في صيغة نصيحة وتوجيه وليس أمراً واجب النفاذ (فاسعوا، وذروا البيع، وذلك خير لكم)!!
* فضلاً عن ذلك، فإن صدور قرار مثل هذا سيُحدث الكثير من الارتباك في بيئة مثل البيئة السودانية ليست مهيأة كالبيئة السعودية في نواحٍ كثيرة، مثل إمكانيات المساجد لاستقبال حشود ضخمة من المصلين في الأسواق والمحلات العامة، وعدد ومستوى المنافع الموجودة بها كوسائل ضرورية للوضوء والطهارة، بالإضافة الى أن غلق المحلات خلال (صلاتي الظهر والعصر) القريبتين من بعض، يحتاج إلى تهيئة أماكن في المساجد خاصة بالنساء اللائي يكثر وجودهن في الأسواق خلال هذين الوقتين، كما أنه يحتاج الى تهيئة أماكن للانتظار، وإلا فأين سيذهبن وماذا يفعلن وقت الصلاة، هل يجلسن في الشوارع أم يصلين وسط الرجال، وأين يذهب من لهن أعذار دينية؟!
* وإذا عدنا لحديث رئيس المجلس عن طوعية الإغلاق، فمن يضمن ألا تستغل بعض الجهات المتطرفة وأصحاب الأفكار المتشددة هذا الأمر، ويعتبروه أمراً ملزما يحتم عليهم الواجب الديني فرضه على الناس، مما يؤدي لحدوث مشاكل وتعقيدات كثيرة وخطيرة، بلادنا في غنى عنها، خاصة أنها تعاني من وجود صراعات مسلحة، وتحيط بها العديد من المجتمعات التي تتمزق بفعل الأفكار المتطرفة والإرهاب.. فهل يسعدنا أن نشاطرها الانفجارات وسفك الدماء والفوضى وغياب سلطة الدولة بسبب قرارات وأفكار غير ناضجة لا تنظر الا في حدود اختصاصات ومهام أصحابها فقط؟!
* الموضوع خطير جداً وله جوانب متعددة وتبعات كثيرة يصعب تناولها في هذا المكان الضيق، منها الفكري ومنها الفقهي ومنها العملي ومنها الأمني، وهو يحتاج إلى أفكار وآراء وجهود جهات كثيرة جداً، وليس الى مجلس الإرشاد والدعوة فقط، والى إمكانيات كثيرة في كل المجالات!!
زهير السراج – (مناظير – صحيفة الجريدة)