قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور إن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واكب باطمئنان كل المسائل المتعلقة بإقامة سد النهضة الإثيوبي.
واعتبر غندور أن اتفاق قادة مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم وشرم الشيخ على مبادئ وإجراءات تعاون أمني واقتصادي بشأن مشاريع مشتركة في حوض النيل الشرقي، يعكس رضا القاهرة عن المراحل التي مرت بها إقامة سد النهضة.
وأشار خلال حوار أجرته معه الجزيرة نت في برلين إلى عزم مصر والسودان في غضون الأيام القادمة توقيع عقد مع شركتين فرنسيتين للقيام بالدراسات الفنية المتعلقة بسد النهضة.
وتناول الحوار علاقات السودان بمصر وإيران، وأفق التعاون بين الخرطوم وأوروبا، والوضع في ليبيا وأزمة اللاجئين، والحديث الدائر بشأن إمكانية التطبيع بين السودان وإسرائيل. وفيما يلي نص الحوار:
هل لكم أن تحدثونا عما دار في مباحثاتكم مع المسؤولين الألمان خلال زيارتكم لبرلين؟
– علاقتنا مع ألمانيا ظلت تتطور يوما بعد يوم، حتى في هذه الظروف التي يمر بها السودان من عقوبات وغيرها، وزيارتي لبرلين هي الثالثة: الأولى والثانية كمساعد للرئيس ونائب لرئيس حزب المؤتمر الوطني، والآن كوزير للخارجية.. لنا تعاون واسع مع الأصدقاء الألمان في مجالات شتى، منها ما هو سياسي، ونتطلع إلى تعاون اقتصادي، وهم مهتمون بالأمن والسلام في السودان ومنطقة القرن الأفريقي التي نحن جزء منها.
الزيارة جاءت لاستكمال هذه القضايا وغيرها مما يهم الأصدقاء الألمان كالهجرة غير الشرعية التي تهم أوروبا عموما. كما أتت زيارتي بعد زيارة ثلاثة وزراء دولة ألمان للسودان منذ بداية العام الجاري.
هل تطرقت مباحثاتكم لموضوع اللاجئين الإريتريين الذين يمرون عبر السودان؟
– تطرقنا لموضوع اللاجئين في السودان عموما، وبعضهم يأتي إلينا من إريتريا وإأثيوبيا، وآخرون من مناطق أفريقيا الجنوبية، والبعض الآخر من غرب أفريقيا.. السودان بحكم وضعه الجغرافي محطة لهؤلاء اللاجئين، وعلاقته مع دول الجوار تسمح لمواطنيها بالحضور إلينا بسهولة.
نحن نحتضن نحو مليوني لاجئ أفريقي معظمهم من دول الجوار، والظروف التي تمر بها شقيقتنا ليبيا معروفة، وتجعلها معبرا لكل من يريد الهجرة بطريقة قانونية أو غير قانونية إلى أوروبا.
ما الذي بحوزتكم لتعرضوه لمساعدة أوروبا في هذا المجال؟
– نحن نستضيف أغلب اللاجئين ونوفر لهم إقامات قانونية، وبعضهم يتجه إلى العمل مثل اللاجئين من جنوب السودان وأشقائنا من سوريا واليمن وغيرهم، والبعض الآخر يعتبر السودان محطة انتقال إلى مكان آخر، ونعمل على تركهم يتحركون في بلادنا، ولا نرحلهم قسريا لأن هذا يخالف القوانين والإنسانية.
السودان بسبب ظروفه المعروفة لا يستطيع فعل الكثير للاجئين، ولهذا فإننا نتعاون مع أصدقائنا الألمان والأوروبيين عموما في ثلاثة محاور:
الأول- أن بعض الدول الأوروبية تعمل على أخذ بعض اللاجئين من عندنا وإعادة توطينهم فيها قانونيا.
الثاني- تتعاون أوروبا معنا بتوفير مساعدات وخدمات للاجئين وتدريبهم في مراكز تقام بالسودان.
الثالث- منع الهجرة غير القانونية وتجارة البشر، وهذا نبذل فيه جهدا كبيرا، لكننا نحتاج إلى معاونة أوروبا خاصة في منطقة الحدود مع ليبيا.
هل طالب الأوروبيون تحديدا بمنع الهجرة القادمة إليهم عبر بلدكم؟
– لم يطلبوا هذا باعتباره فرضا، فنحن من ناحية المسؤولية الأخلاقية والأمنية لبلادنا وحماية جيراننا نعمل على منع الهجرة غير القانونية، باعتبار أن بعضها يمكن أن يحمل في باطنه “بلاوي” كتدفق الإرهابيين، والأوروبيون يتطلعون إلى تعاون السودان لمنع أو تقليل الهجرة غير النظامية.
ماذا دار بينكم وبين المسؤولين الألمان بشأن ليبيا؟
– حلّلنا معًا الأوضاع في ليبيا وتناولنا دورنا كجار لهذا البلد الشقيق وكجزء من المجتمع الدولي.. ندعم الوصول إلى حكومة وحدة وتوافق وطني في ليبيا باعتبارها وحدها التي تستطيع وضع الأمور في نصابها، من خلال توحيد الليبيين سواء في مواجهة مجموعات الإرهاب التي يقودها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو في وجه الهجرات غير الشرعية عبر ليبيا.
قبل أيام جرت في برلين مفاوضات بين الحكومة السودانية ومجموعات مسلحة من معارضيها، هل جرت بطلب منكم؟
– هذه ليست الجولة الأولى، والأصدقاء الألمان عرضوا قبل أكثر من عام لعب دور للتوصل إلى اتفاق بين الخرطوم وما تبقى من مجموعات معارضة قليلة وضعيفة تحمل السلاح ضد الحكومة وترفض السلام.
وقد وافقنا وقبِل الطرف الآخر، وهذه المفاوضات تتم عبر آلية عالية المستوى من الاتحاد الأفريقي وحضرها ممثل للرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي.
هل يُنتظر تحقيق شيء من هذه المباحثات؟
– حتى الآن لا شيء مخططا هنا، وننتظر لقاء هذه المجموعة في أديس أبابا تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
هل البعد الاقتصادي هو الدافع الأبرز لاهتمام ألمانيا الواضح بالسودان، أم أن هناك توافقا بينكم في قضايا أخرى؟
– علاقة السودان بألمانيا بدأت سياسية قبل الحرب العالمية الأولى، وتطورت مع استقلال السودان عام 1956 إلى تمثيل دبلوماسي، والعلاقات الاقتصادية ضعفت أو توقفت بسبب ظروف الحصار الأميركي لنا وتشديد الإجراءات البنكية.
ألمانيا تتطلع إلى التعاون معنا من باب اهتمامها بجوارنا، وبسبب وضع السودان كدولة تتوسط أفريقيا وكلاعب إقليمي.
هل تنظرون إلى برلين كبوابة لتطبيع علاقاتكم مع أوروبا؟
– كنت قبل وقت قريب في زيارة لبروكسل استمرت ثلاثة أيام تحدثت فيها مع قيادات الاتحاد الأوروبي بدءا من مسؤولة السياسة الخارجية فيديريكا موغيريني وغيرها من المسؤولين، وننتظر زيارة عدد من مسؤولي الاتحاد للسودان خلال الأسابيع القادمة.. علاقتنا بأوروبا تمضي إلى الأمام، ولألمانيا كدولة فاعلة بالاتحاد الأوروبي دور نرحب به في هذا المجال.
تحدثت مصادر ألمانية عن رغبتكم في وساطة برلين بينكم وبين إسرائيل، هل تحدثتم مع المسؤولين الألمان حول هذا الموضوع؟
– لم نناقش مع أصدقائنا الألمان موضوع العلاقة مع إسرائيل.. نحن ملتزمون بمبادرة الجامعة العربية للسلام (قدمتها السعودية عام 2002 في بيروت) والمبنية على حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس، وحينها يمكن للدول العربية -ومن بينها السودان- النظر في قضية التطبيع مع إسرائيل.
هل تنفون إذن تطلعكم للتطبيع مع إسرائيل؟
– لم نناقش مع الأصدقاء الألمان تطبيع علاقتنا مع إسرائيل.
لم أقصد بهذا السؤال الآن مناقشاتكم مع الألمان، وإنما ما دار من نقاشاتفي بالسودان حول التطبيع مع إسرائيل؟
– هناك حوار يدور الآن في السودان منذ أربعة أشهر ويشارك فيه أكثر من مئة حزب وحركة، وبعضهم تطرق لقضية التطبيع.
هل تطرقوا له بمعنى أنهم يريدون التطبيع؟
– بعضهم أشار إلى هذا، لكنهم لم يجدوا سندًا.
من يسمعكم الآن يفهم أن لديكم مجالا للتفكير في التطبيع مع إسرائيل؟
– لم نفكر فيه أو نناقشه على أي مستوى رسمي لدينا.
ما طبيعة علاقتكم مع نظام عبد الفتاح السيسي في مصر؟
– نحن منذ البداية اعتبرنا ما جرى في مصر يوم 30 يونيو/حزيران 2013 أمرا داخليا مصريا يقرره أشقاؤنا هناك، وتعامُلنا مع الحكومة المصرية يأتي في هذا الإطار كأساس لعلاقاتنا.
هل يعني هذا أن ما يحدد علاقتكم بمصر هو مصلحتكم؟
– يعني أنها قائمة على احترام خيارات الآخرين.
وهل تعتبرون أن انقلاب السيسي كان خيارا شعبيا؟
– هذا يعرفه الشعب المصري أكثر مني، ولكن إذا كانت هناك حكومة قائمة في مصر فهذا يعني أن شريحة مقدرة من المصريين تدعمها.
كيف تردون على اتهام الإعلام المصري لكم ببيع مصر للإثيوبيين فيما يتعلق بموضوع سد النهضة؟
– سد النهضة بالنسبة لنا كجزء من حوض النيل الشرقي هو مشروع تنموي إثيوبي، ننظر إليه من زاوية حق إثيوبيا في إقامة أي مشروعات تنموية على أراضيها ضمن إطار حقوقها المشروعة، ودون أن يؤثر هذا على الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل.
نحن طرف أساسي في هذه القضية ولسنا وسطاء أو محايدين، لكننا في إطار تفهم مخاوف الأشقاء المصريين سعينا لتقريب وجهات النظر بينهم وبين الإثيوبيين، ونحن لا نخفي أننا سنستفيد من إنشاء السد، ونعتقد أن مصر لن تتضرر منه، لهذا سعينا حتى وقع الرئيسان السوداني والمصري ورئيس وزراء إثيوبيا اتفاق المبادئ الذي أشار في فقرته الخامسة إلى عدم تضرر بلدان المجرى أو المصب من قيام السد.
كما سعينا لتوقيع وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث اتفاقية ثانية تلتزم باتفاق المبادئ وتفصّل بعض نصوصه المتعلقة بالأضرار في الدول الأخرى، وخلال أيام قليلة سيتم توقيع إثيوبيا ومصر والسودان (عقد) مع شركتين فرنسيتين ستجريان الدراسات الفنية الخاصة بالسد، وأهمها تقدير وقت امتلائه حتى لا تتضرر مصر والسودان، إضافة إلى الدراسات الاقتصادية والبيئية. وهذه كلها ضمانات ذكرتها للأصدقاء المصريين السياسيين والإعلاميين.
بم تفسر إذن الضجة المصرية حول السد؟
– بعضها مبني على مخاوف ربما تكون مشروعة، وبعضها تضخيم إعلامي أثير وقتها في وجه حكومة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي كعمل سياسي مضاد، والآن ربما يجري نفس الأمر.. واتفاق الرئيسين السوداني والمصري مع رئيس الوزراء الإثيوبي في شرم الشيخ على تعاون أمني واقتصادي وصندوق تمويل واحد لمشاريع حوض النيل الشرقي، يؤكد على اطمئنان الجانب المصري.
ألا تشعرون بالخطر من إعلان إثيوبيا مؤخرا إقامة ثلاثة سدود جديدة؟
– دراسات الخبراء السودانيين لم تكتمل حول هذا الموضوع.
قطعتم مؤخرا علاقاتكم التي كانت وطيدة مع إيران، ما السبب؟
– جاء هذا كمساندة للأشقاء في السعودية والإمارات والخليج عموما بوجه التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، وسبق هذا إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان نتيجة محاولاتها تجنيد شبابنا للمذهب الشيعي.
وعندما تتوقف هذه التدخلات ستعود علاقتنا والعرب عموما مع إيران إلى طبيعتها.
حوار : خالد شمت
الجزيرة نت