مستندات من ديوان المراجع العام بولاية الخرطوم معنون لمدير عام وزارة الصحة ولاية الخرطوم وموضوعه: مخالفات عقد وزارة الصحة ولاية الخرطوم وأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا في إدارة المستشفى المقام على قطعة الأرض + صورة

يوم أن عُيّن مأمون حميدة، وزيراً للصحة في حكومة ولاية الخرطوم، استنكر البعض ذلك التعيين، وتساءلوا: مأمون أحد أكبر المستثمرين في مجال الصحة فكيف يعين وزيراً للصحة؟ وكيف سيشرف على مؤسسات واستثمارات ضخمة مملوكة له، ليحاسب نفسه؟ في الصحافة كتب كلام كثير في ذات الاتجاه، وتخوف البعض من نشوء حالة من تضارب في المصالح بين حميدة الوزير، وحميدة المستثمر، الذي يمتلك عدداً من أكبر المستشفيات الخاصة في العاصمة. المؤكد أن مأمون لم يأبه لتلك الآراء، وظل يدافع عن نفسه بقوة، ويصادم منتقديه بشراسة، ويجر بعضهم إلى قاعات المحاكم، ويستدل بأنه يعمل في الوزارة متطوعاً بلا مقابل، ولا يتقاضى راتباً عن عمله كوزير، فهل يكفي ذلك لتنقيته من شبهة تضارب المصالح؟
يستهدف هذا التحقيق الاستقصائي تحديد ما إذا كان (تضارب المصالح) بين حميدة الوزير وحميدة المستثمر في مجال الصحة قد حدث أم لا؟، وللأمانة ما عثرنا عليه كان مذهلاً، فاق أسوأ الظنون والتوقعات.. المحصلة: تغول على حق عام، ومخالفات كبيرة في عقود صحية، وتضارب مصالح تعضده مستندات رسمية، تكشف الكثير المثير، لذا سمينا هذا التحقيق “الزلزال”.

1
مصطلح “تضارب المصالح أو تعارض المصالح” معروف للغالبية، مع ذلك لا ضير من شرحه لمزيد من الفائدة، لأن “تضارب المصالح” يمثل المرتكز الأساسي لهذا التحقيق، وهي الفكرة التي ظل الكل يتمحور حولها، منذ تعيين مأمون وزيراً للصحة بالولاية، وسنستشهد هنا بحديث رئيس لجنة الأطباء الاختصاصيين أحمد الأبوابي، تعليقاً على ذلك التعيين في نوفمبر (2011) حين قال في تصريح صحافي: “إن تعيين مستثمر في مجال الصحة وزيراً للصحة سيخلق تعارضاً بين المسؤولية والمصلحة ولا أتوقع منه التوفيق بين مصالحه الشخصية ومهامه باعتباره وزيراً وهذا التعيين يعتبر امتحاناً عسيراً بالنسبة له على المستوى الشخصي”، وما قاله هو عين تضارب المصالح.

بلدان كثيرة سنت قوانين خاصة تمنع تضارب المصالح، غير أن القانون المصري، يشرح المعنى أكثر ويضعه في إطار قانوني محكم الإغلاق، وقد صدر مؤخراً في أعقاب إطاحة الرئيس مبارك، أي بعد الثورة المصرية التي قامت أصلاً في وجه الفساد والمفسدين، ويعرف القانون المصري تضارب المصالح: (كل حالة يكون للمسؤول الحكومي أو الشخص المرتبط به، مصلحة مادية أو معنوية تتعارض تعارضا مطلقاً أو نسبياً، مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته، من نزاهة واستقلال وحفاظ على المال العام، أو تكون سبباً لكسب غير مشروع، لنفسه أو لشخص مرتبط)، وفي حالات التعارض المطلق وهي حالات شبيهة بحالة وزير الصحة مأمون نص القانون المصري على الآتي: (في حالة قيام إحدى حالات التعارض المطلق، يتعين على المسؤول الحكومي إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو بترك المنصب أو الوظيفة العامة)، من الطبيعي أن نسأل: لماذا القانون المصري؟، وماذا عن القانون السوداني؟ في الحقيقة لا يوجد قانون يمنع التضارب في السودان، إلا استدراك بسيط في الدستور في المادة (75) المتعلقة بإقرار الذمة، وهو إجراء بروتوكولي أكثر من كونه قانونيا، لا يجدي نفعاً وحتى أن الدستور نفسه هزم الفكرة، عندما جعل إقرار الذمة سرياً وليس للتداول، أي لا يمكن التحقق منه، ولم نسمع بأن مسؤولاً تمت مراجعة إقرار ذمته عند مغادرته المنصب، لذلك اعتمدنا على شرح القانون المصري لتقريب الفكرة.

2
المراجع العام: منفعة دون وجه حق
قبل كل شيء، ضمن المستندات التي حصلنا عليها خطاب من ديوان المراجع العام – ولاية الخرطوم، معنون لمدير عام وزارة الصحة ولاية الخرطوم، تاريخ الخطاب 12/ مارس/2014، ومأمون حينها وزير ونافذ، والحقيقة الخطاب يشير ويؤكد على أنه في قمة السطوة والنفوذ، وموضوع الخطاب: (مخالفات عقد وزارة الصحة ولاية الخرطوم، وأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا، في إدارة المستشفى المقام على قطعة الأرض 14/1، مربع (9)، امتداد الدرجة الثالثة الخرطوم) – وأشار المراجع للمستشفى الذي تديره أحد مؤسسات المستثمر مأمون حميدة، برقم القطعة لأسباب ستتضح لاحقاً – ولكن الخطاب رصد مجموعة من المخالفات والتجاوزات، التي – بحسب الخطاب – يجب أن يقدم المتسببون فيها للمساءلة والمحاكمة القانونية؛ وقطعاً وزير الصحة واحد من هؤلاء المتسببين، بل أولهم وصاحب المصلحة الحقيقية بينهم. المراجع حصر تلك التجاوزات بالتفصيل، وبين رأيه القانوني فيها، لذا سنفصلها بدقة، ثم نستعرض المستندات الأخرى، والتي تؤكد جميعها حدوث تضارب المصالح بشكل سافر.

3
“قوة عين”
هنا سنرى، كيف يتم التلاعب بالعقودات الرسمية والعبث بها لتحقيق المصالح الشخصية، العقد المذكور طرفاه (وزارة الصحة ولاية الخرطوم) و(أكاديمية العلوم الطبية)، الشهيرة بجامعة مأمون حميدة، المملوكة للبروف مأمون حميدة، والعقد يعرف باسم عقد (إدارة مستشفى حاج المرضي محيي الدين) قطعاً لا يعرف أحدكم اسم مستشفى حاج المرضى محيي الدين – وفي هذه أيضا حكاية ومخالفة – ولكن باختصار هو المستشفى الأكاديمي الكائن في امتداد الدرجة الثالثة مربع (9)، العقد أبرم في يونيو 1997، أي قبل أن يتولى مأمون الوزارة. ووقع عن وزارة الصحة د. محمد يس، وعن الأكاديمية د. مأمون حميدة، فترة سريان العقد (10) سنوات، حتى هذه المرحلة لم تبدأ المخالفات بعد، غير أن المراجع لاحظ أثناء مراجعته للأداء المالي لوزارة الصحة في 2014، وجود عقد ثانٍ اسمه (عقد تعديل مستشفى الأكاديمي الخيري التعليمي) تم إبرامه في 19/11/2000، ومن هذه النقطة بدأ العبث. أولى المخالفات التي أشار إليها المراجع القومي (لم يتم تسمية الأطراف في هذا التعديل وأُشير فقط بعبارة اتفق الطرفان)، ونبه مباشرة إلى أن الإجراءات الأصولية في العقود تسمية الأطراف في مقدمة العقد، أما المخالفة الثانية فتتعلق بعقد تعديل، ومددت فيه فترة سريان العقد من (10) سنوات إلى (20) سنة، إلا أن الشيء الذي لم يجد له تفسيرا حتى المراجع القومي، أنه عند تمديد فترة العقد تمت الإشارة في العقد الجديد إلى تعديل العقد المبرم في 13 ديسمبر1996، وفي الحقيقة هذا العقد لا وجود له أو هكذا أراد أن يقول المراجع، وقبل أن نورد الجدل الذي دار حول العقد المخفي، سنشير إلى ملاحظة مهمة، أورها المراجع القومي وذكر فيها ما يلي: (لوحظ أن تاريخ إبرام التعديل هو 19/ 11/ 2000، تم توثيقه بذات التاريخ، إلا أن تاريخ خاتم التوثيق أتى بتاريخ 5/ مايو/ 1999) أي أن تاريخ الختم يسبق توقيع العقد، وقال المراجع إن ذلك لا يتسق، وترتبت على تمديد العقد مخالفات جسيمة، أقلها ضياع للحق العام.

4
“من هذا الباب دخل مأمون”
الباب الذي دخل منه مأمون حميدة على المستشفى، كان عبر تجربة أطلقتها الدولة، تتلخص في بناء شراكات بين وزارة الصحة والمؤسسات التعليمية بالولاية، بغرض تبادل المنفعة، في مجال التدريب والأداء الطبي، وكانت التجربة فرصة سانحة لمأمون الذي لم يكن يتوفر لكليته مستشفى تدريبي – ولاحقا سيحقق منافع تتعدى التدريب – وانحصرت هذه التجربة ما بين عامي 1996 و2007، وفي 2011 أخضعت الوزارة التجربة للتقييم، وجاءت النتيجة أن التجربة فاشلة، وكانت التوصية فض الشراكات مع المؤسسات التعليمية، وصدر قرار بأن يتم تدريب الطلاب في مستشفيات الولاية بالقيمة، وعلى ضوء ذلك صدرت في 2012، لائحة باسم (لائحة تدريب طلاب الجامعات والكليات الخاصة بالمؤسسات الصحية الحكومية التابعة لولاية الخرطوم) وجاءت اللائحة ممهورة بتوقيع وزير الصحة مأمون حميدة، وبالفعل تم فض الشراكة مع معظم الجامعات، وتأكد أن الجامعات والكليات الخاصة تدرب طلابها بالقيمة، إلا أن جامعة مأمون حميدة وطلابها استثنوا من ذلك، أولا ضمنت اللائحة فقرة وهي الفقرة (ب) ونصت على (تظل جميع الإجراءات التي اتخذت بموجب اللوائح السابقة صحيحة ونافذة إلى أن تعدل أو تلغى وفقا لأحكام اللائحة) ومأمون كان أول المستفيدين من هذه الفقرة، معتمدا على العقد الباطل الذي سينتهي في 2020، وهو عقد تم تمديده بطريقة غير سليمة – بحسب المراجع العام – وعليه لم يدفع طلاب جامعة العلوم الطبية التي تتبع للوزير، كغيرهم من طلاب الجامعات الخاصة، مقابل تدريبهم في مستشفى حاج المرضي محيي الدين أو مستشفى الأكاديمية كما أراد له مأمون، وفي نهاية الأمر، قال المراجع العام في خطابه للوزارة (فإن الإبقاء على أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا في إدارة هذا المستشفى، بموجب الاستثناء الوارد في اللائحة حسب ما أشرنا إليه آنفا، يعد إجراء غير سليم) وأوصى المراجع بتطبيق اللائحة فورا على طلاب الأكاديمية، وبأثر رجعي منذ تاريخ إصدار اللائحة، ولكن هل تم تنفيذ هذه التوصية؟

5
استغلال النفوذ.. العقد المخفي
آنفاً، أشرنا إلى أن خطاب المراجع، الذي عنونه لمدير عام وزارة الصحة، كان بتاريخ 12/ مارس/2014، وبطبيعة الحال المراجعة لأداء وزارة الصحة في الخرطوم كانت في 2013، وفي التاريخين مأمون حميدة ظل متربعاً على قمة الوزارة، ولما كان العقد المعدل الجديد الذي حصلت فيه الجامعة المملوكة للوزير على عشر سنوات إضافية في المستشفى المذكور أعلاه، (ميزة تترتب عليها منافع كثيرة لاحقا)، استنادا إلى تعديل العقد المبرم في 13/ ديسمبر/1996، كان من الطبيعي أن يطالب المراجع بهذا العقد، إلا أن مطالباته ذهبت أدراج الرياح، وقال صراحة: (لم يقدم للمراجعة العقد الذي بني عليه عقد التعديل، تحت مسمى عقد تعديل المستشفى الأكاديمية الخيري التعليمي لسنة 1996م)، ثم شرح المراجع المحاولات التي بذلها للحصول على نسخة من العقد في مكاتبات متتالية لوزارة الصحة الولائية لم تجد فتيلاً، لأن الوزارة لم تستجب لها مطلقاً، علماً بأن المراجع خاطب الإدارة القانونية بولاية الخرطوم، باعتبارها الجهة التي قامت بتوثيق عقد التعديل في عام 2000، والمدهش أن الإدارة القانونية نفسها لم تمده بالعقد المطلوب، ولكن ماذا ترتب على ذلك؟.

6
تحايل وبطلان منفعة
في هذه الفقرة، سنستخدم عبارات المراجع العام، التي وردت في الخطاب، دون التدخل منا قدر الإمكان، لأنها تصف الحالة توصيفاً دقيقاً. وقبل أن يسرد المراجع الواقع الذي ترتب على تعديل العقد، أكد أن العقد الذي استند عليه التعديل (لا وجود له)، وخلص إلى أن الإجراءات التي اتبعت (تمت بصورة غير سليمة وأوجدت واقعاً باطلاً) – أوجزه المراجع في نقاط، وهي في الحقيقة من أهم النقاط وأخطرها في خطاب المراجع وجاء فيها ما يلي:
* أولا فرض اسم مستشفى الأكاديمية الخيري التعليمي، بدلا عن الاسم الصحيح بموجب عقد إدارة حاج المرضي محيي الدين – والأكاديمية المعرفة بالألف واللام لمن فاتهم هي أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا التي يمتلكها مأمون حميدة.

* ثانيا التحايل على مدة سريان العقد من (10) سنوات إلى (20) سنة، (أي أن الأكاديمية – الجامعة لاحقاً – نالت ميزة إدارة المستشفى لمدة عشر سنوات إضافية، بلا وجه حق، وبإجراءات مخالفة للقانون) تم كشفه بأمر المراجع في عهد تولي مأمون حميدة للوزارة، لأن المراجع أفتى بما يلي: “وعليه عدم مشروعية وجود أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا في إدارة المستشفى، من تاريخ عقد التعديل ويستوجب فسخ العقد في ذات التاريخ والمساءلة القانونية للمتسببين”، وبدورنا نسأل: هل انتهى وجود أكاديمية العلوم الطبية في المستشفى؟ وهل تم فسخ العقد؟ وهل تمت مساءلة المتسببين في كل هذه المخالفات قانونياً؟ هل حولوا إلى المحاكمة؟ هل اتخذ الوزير حيالهم أي إجراء لتصحيح الوضع غير المشروع؟
* والسؤال الأخير، هل نحن بحاجة إلى أن نذكر بتضارب المصالح الذي أشرنا إليه مسبقاً!؟ والمراجع بعدها، يعمد إلى نتائج وخلاصات وقبل أن ينتقل إلى مخالفات أخرى كتب في تقريره ما يلي: “وأن ما ترتب عليه من تبعات وتصرفات بموجب هذا التعديل لا تعطي المشروعية لأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا، في إدارة المستشفى، وتعتبر باطلة، وأي منفعة تحصلت عليها الأكاديمية تعتبر دون وجه حق”، ويجمع كل من اطلع على هذا الخطاب، أن التهمة الأخيرة التي ختم بها المراجع تهمة تستوجب أن يخضع المتهم بها إلى مساءلة من جهات عدة، غير أن المخالفات التي ضبطها المراجع لم تنته عند هذا الحد وهنالك المزيد، وهو لا يقل خطورة عن ما ذكرنا وربما أخطر.

7
* تضارب المصالح أو تغليبها
ما كشفه المراجع العام، هذه المرة، يتجاوز تضارب المصالح إلى تغليب المصلحة الخاصة بسهولة، وهو ما قال إنه يمثل “اعتداءً على الحق العام” من قبل الجامعة المملوكة للوزير، وهي أولى المخالفات التي برزت للمراجع على أساس عدم مشروعية إدارة أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا للمستشفى، وتتلخص في تغيير مأمون حميدة لغرض أحد أقسام المستشفى، وإن شئت الدقة، وفقا للمستندات المتوفرة فإن المسألة يمكن الحكم عليها بأنها أكثر من تغيير غرض، وإليكم الوقائع:

خاطبت أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا وزارة الصحة ولاية الخرطوم – أي جامعة مأمون حميدة – عبر مدير المستشفى، للحصول على موافقة لإنشاء مبنى لطب وجراحة الأسنان، الوزارة كطرف أول في العقد الأساس، وافقت على بناء قسم لعلاج مرضى الأسنان، بمرجعية العقد فقرة التزامات الطرف الثاني، وافق الطرف الثاني (أكاديمية العلوم الطبية)، والتزم أن يكون من حيث المواصفات والعمل بنفس نظام وزارة الصحة، ولكن ماذا حدث؟.. عند الزيارة الميدانية لفريق المراجعة فوجئ بأن المبنى الذي تم تصديقه كقسم أسنان أصبح (كلية لطب وجراحة أسنان)، تتبع للأكاديمية، وهي خارج المنظومة الإدارية للمستشفى، أي أنه نكوص عن الشروط التي تم بموجبها بناء القسم، وتحويل غرضه من علاج المرضى إلى تعليم طلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا وأكد خطاب المراجع أن مدير المستشفى اعترف لهم بذلك شفاهة، ثم أورد الخطاب المخالفات التي ترتبت على ذلك التصرف، وأشار أولاً إلى مخالفة العقد، الذي ينص على عدم تحويل العقد أو نقله أو التصرف فيه أو التنازل عن التزاماته لأي طرف إلا بموافقة مكتوبة من الطرف الأول، ولم تتحصل الأكاديمية على موافقة الوزارة على إنشاء الكلية، وإنما مبنى يضم قسم طب وجراحة الأسنان، والمخالفة الثانية كانت للمادة (2) التي تنص على استخدام إيرادات المشروع في تسيير العمل بالمستشفى، وهذا ما لم يحدث، ويخالف أيضا المادة (13) الإحالة من مرشد إبرام العقود الحكومية لوزارة العدل بالرقم 1/2008، المهم في ضبط المراجع العام لهذه المخالفة حكمه الذي أصدره عليها إذ ورد نصاً: “وبالتالي فإن هذا التصرف، يعد تغييراً للغرض، واعتداءً على الحق العام، وتحويل ريعه إلى المنفعة الخاصة”، وقطعا أي واحدة من هذا التهم سترسل أعظم المحتالين إلى غياهب السجون ولو كان خلفه جيش من المحامين.

8
حوادث التميز.. مخالفة جديدة
المستند الذي بطرفنا يشير إلى أن هذه المخالفة حديثة نسبياً، أو على الأقل ضبطها، وهو خطاب جديد، موجه أيضا لمدير عام وزارة الصحة، من مساعد مدير المراجعة بالولاية شروق حسن عثمان، وتاريخه 5/8/2015، أي قبل أقل من عام، ويتعلق بإنشاء قسم حوادث بالمستشفى الأكاديمي محل الجدل، وتعود القصة إلى أن وزير الصحة مأمون حميدة اهتم بتأسيس قسم طوارئ في مستشفى الأكاديمية، الذي يتدرب فيه طلاب الطب بالجامعة المملوكة له، ولا شك أن تدريب طالب الطب على الحوادث أمر لا غنى عنه، وبالفعل تم بناء قسم حوادث بمواصفات حديثة لا تتوفر في معظم مستشفيات الولاية، حتى أنهم أطلقوا على القسم (حوادث التميز) وللأمانة هي حوادث متميزة في مستشفى تتبع إدارته لمؤسسات وزير الصحة. المهم بمجرد افتتاح حوادث التميز انخرط طلاب الأكاديمية فيها، ووضعت الجامعة يدها عليها، ولما أرسلت (شروق حسن) فريقا من المراجعة لوزارة الصحة، اكتشف أن هنالك ما يقارب الـ(3) ملايين جنيه، أو تحديداً مبلغ (2.775.567.70) تم صرفه (من مال الوزارة) على إنشاء مبنى حوادث بالأكاديمي، وعلق فريق المراجعة بأن هذه الأموال التي صرفت هي من مال التنمية، والمبنى الذي أنشئ غير مدرج ضمن المباني التي سلمت لجامعة العلوم الطبية بموجب العقد المبرم في 2007، وعلى ذلك طالب المراجع بنزع الحوادث من المستشفى الأكاديمي التابع لجامعة مأمون حميدة فوراً، وأن يعاد مبنى الحوادث الجديد للوزارة، ولم يكتف بذلك بل طالب بإفادته بما تم من إجراء هو والجهات التي أرسل لها الخطاب وهي مدير جهاز المراجعة بالولاية ووزير المالية وشؤون المستهلك.

9
التمسك بمساءلة المتسببين
ضمن المراجع القومي في خطابه لوزارة الصحة، عددا من التوصيات واجبة التنفيذ، وهي توصيات واضحة وجلية لا يشوبها لبس، ومن بين هذه التوصيات، التحقيق في إجراءات عقد التعديل (عقد تعديل مستشفى الأكاديمي الخيري التعليمي، الذي وقع فيه التمديد) ومساءلة المتسببين فيه، وكذلك أوصى على إعادة المستشفى إلى المنظومة الإدارية للوزارة، وحصر جميع ما تحصلت عليه الأكاديمية من مبنى طب وجراحة الأسنان والتي حولت إلى كلية طب أسنان تابعة للأكاديمية دون وجه حق، وإعادته للوزارة، وأوصى أيضا بتطبيق لائحة التدريب بمستشفيات الولاية على طلاب الأكاديمية من تاريخ توقيعها، وحصر التكلفة وتحصيلها لصالح الوزارة، وذلك لبطلان العقد، ثم أوصى المراجع باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لتنفيذ توصياته، ثم أرسل الخطاب للجهات المعنية بتنفيذه وهي المراجع العام، ومكتب وزير الصحة (مأمون حميدة نفسه) وأمين عام مجلس الولاية (لجنة الصحة) ووزير المالية، وأمين عام الحكومة ورئيس الإدارة القانونية بالولاية وأخيرا نيابة الأموال العامة، الجدير بالذكر أن خطاب المراجع وتوصياته هذه مضى عليها أكثر من عامين.

10
مسلسل تضارب المصالح مستمر
تضارب المصالح، الذي نتحدث عنه يبلغ عمره خمس سنوات.. غدا وفي الحلقة الثانية من هذا التحقيق، سنكشف عن عينات ونماذج جديدة لتضارب المصالح، كلها تعضدها مستندات رسمية لا يتطرق إليها الشك، ولا يمكن نقضها مطلقاً.
كونوا معنا.. وتحملوا تبعات (الزلزال)!

**

* ما بين عامي 1996 و2007 جاءت تجربة بناء شراكات بين وزارة الصحة والمؤسسات التعليمية بالولاية.

* في يونيو 1997 تم توقيع عقد (إدارة مستشفى حاج المرضي محيي الدين) طرفاه (وزارة الصحة ولاية الخرطوم) و(أكاديمية العلوم الطبية). وفترة سريان العقد (10) سنوات.

* في 19/11/2000 تم إبرام عقد ثانٍ اسمه (عقد تعديل مستشفى الأكاديمي الخيري التعليمي)، حسب ما لاحظ ديوان المراجع العام – ولاية الخرطوم، أثناء مراجعته للأداء المالي لوزارة الصحة في 2014.

* في 2014 أولى المخالفات التي أشار إليها المراجع القومي (لم يتم تسمية الأطراف في هذا التعديل وأُشير فقط بعبارة اتفق الطرفان (ونبه مباشرة إلى أن الإجراءات الأصولية في العقود تسمية الأطراف في مقدمة العقد).

* المخالفة الثانية تتعلق بعقد تعديل، ومددت فيه فترة سريان العقد من (10) سنوات إلى (20) سنة.

* الشيء الذي لم يجد له تفسيرا المراجع القومي أنه عند تمديد فترة العقد تمت الإشارة في العقد الجديد إلى تعديل العقد المبرم في 13 ديسمبر1996، وفي الحقيقة هذا العقد لا وجود له.

* بحسب المراجع القومي فقد: “لوحظ أن تاريخ إبرام التعديل هو 19/11/2000، تم توثيقه بذات التاريخ، إلا أن تاريخ خاتم التوثيق أتى بتاريخ 5/مايو/1999”.. أي أن تاريخ الختم يسبق توقيع العقد..!!

* من الملاحظات أيضاً أنه لم يقدم للمراجعة العقد الذي بني عليه عقد التعديل، تحت مسمى عقد تعديل المستشفى الأكاديمية الخيري التعليمي لسنة 1996م.

* أكد المراجع أن العقد الذي استند عليه التعديل (لا وجود له)، وخلص إلى أن الإجراءات التي اتبعت (تمت بصورة غير سليمة وأوجدت واقعاً باطلاً):
– أولا فرض اسم مستشفى الأكاديمية الخيري التعليمي، بدلا عن الاسم الصحيح.
– ثانيا التحايل على مدة سريان العقد من (10) سنوات إلى (20) سنة، (أي أن الأكاديمية – الجامعة لاحقاً – نالت ميزة إدارة المستشفى لمدة عشر سنوات إضافية، بلا وجه حق، وبإجراءات مخالفة للقانون) – أفتى المراجع بـ: “عدم مشروعية وجود أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا في إدارة المستشفى، من تاريخ عقد التعديل ويستوجب فسخ العقد في ذات التاريخ والمساءلة القانونية للمتسببين”.
– بحسب المراجع فإن ما ترتب عليه من تبعات وتصرفات بموجب التعديل “لا تعطي المشروعية لأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا، في إدارة المستشفى، وتعتبر باطلة، وأي منفعة تحصلت عليها الأكاديمية تعتبر دون وجه حق”.

2
* بتاريخ 5/8/2015 خطاب من مساعد مدير المراجعة بالولاية موجه لمدير عام وزارة الصحة يتعلق بإنشاء قسم حوادث بالمستشفى الأكاديمي.
* مبلغ (2.775.567.70) تم صرفه (من مال الوزارة) على إنشاء مبنى حوادث بالأكاديمي، حسبما اكتشفه فريق من المراجعة لوزارة الصحة.
* يعلق فريق المراجعة بأن هذه الأموال التي صرفت هي من مال التنمية، والمبنى الذي أنشئ غير مدرج ضمن المباني التي سلمت لجامعة العلوم الطبية بموجب العقد المبرم في 2007.
* يطالب المراجع بنزع الحوادث من المستشفى الأكاديمي التابع لجامعة مأمون حميدة فوراً، وأن يعاد مبنى الحوادث الجديد للوزارة.
* يطالب المراجع بإفادته بما تم من إجراء هو والجهات التي أرسل لها الخطاب وهي مدير جهاز المراجعة بالولاية ووزير المالية وشؤون المستهلك.

* ضمن المراجع القومي في خطابه لوزارة الصحة، عددا من التوصيات واجبة التنفيذ، منها التحقيق في إجراءات عقد التعديل، ومساءلة المتسببين فيه.
* أوصى على إعادة المستشفى إلى المنظومة الإدارية للوزارة، وحصر جميع ما تحصلت عليه الأكاديمية من مبنى طب وجراحة الأسنان والتي حولت إلى كلية طب أسنان تابعة للأكاديمية دون وجه حق، وإعادته للوزارة.
* أوصى بتطبيق لائحة التدريب بمستشفيات الولاية على طلاب الأكاديمية من تاريخ توقيعها، وحصر التكلفة وتحصيلها لصالح الوزارة، وذلك لبطلان العقد.
* أوصى باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لتنفيذ توصياته.
* خطاب المراجع وتوصياته مضى عليها أكثر من عامين..!!

شوقي عبد العظيم
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version