نستعرض في هذا المقال علاقات السودان بكل من روسيا والصين، وحجمها وعمقها وقوتها، مقارنة بعلاقات الدولتين مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، لنؤكد أن الاعتماد عليهما بصورة مطلقة يشكل خطورة على السودان في تفادي احتمال التدخل الدولي بواسطة مجلس الأمن، ذلك لأن العلاقات بين الدول العظمى تحكمها وتؤثر فيها المصالح المشتركة فقط.. الاعتماد العاطفي على استدامة الصداقة الملتزمة مع روسيا والصين خطأ جسيم كما سنرى.
نبدأ برصد حقائق ومعلومات مهمة عن الدول الثلاث وهي روسيا، والصين، وأمريكا في سبعة أوجه، ثم نلخص المعلومات تلك لنخرج باستنتاج عملي بعيداً عن عاطفة الصداقة الدائمة، التي تتبدل رغم كل الوعود من جانب روسيا أو الصين، كل الأّرقام التالية لسنة 2015:
أولاً: السكان- تعداد سكان الصين مليار وثلاثمائة سبعة وستين مليون- رقم (1) في العالم- أمريكا ثلاثمائة واحد وعشرين مليون، وروسيا مائة ثلاثة وأربعين مليون.
ثانياً وثالثاً: الناتج القومي ومعدل النمو
الصين 19.5 ترليون دولار، بمعدل نمو 6.8% في السنة، أمريكا 18 ترليون دولار بمعدل نمو 2.6%، وروسيا 3.5 ترليون دولار بمعدل نمو سالب 3.9% وكان معدل النمو في روسيا عام 2014 يعادل سالب 0.6، وفي عام 2013 1.3%.. أي تدهور اقتصاد روسيا في ثلاث سنوات بصورة كبيرة.
رابعاً: دخل الفرد في العام: أمريكا 56 ألف دولار، وروسيا 24 ألف دولار، والصين 14 ألف دولار.
خامساً: الصادرات: الصين 2.27 ترليون دولار في 2015، منها صادرات لأمريكا عام 2015 بلغت 470 بليون دولار..
صادرات أمريكا عام 2015 بلغت 1.6 ترليون دولار منها 122 بليون الى الصين، صادرات روسيا عام 2015 بلغت 338 بليون دولار، وكانت 498 بليون دولار عام 2014- أي في تناقص كبير- يؤكد تدهور اقتصاد روسيا بسبب العقوبات المفروضة عليها بعد غزوها جزيرة القرم الأكرانية.
سادساً: الواردات: واردات أمريكا عام 2015 كانت 2.35 ترليون دولار منها 470 بليون دولار من الصين- أي أن حجم التبادل التجاري بين أمريكا والصين بلغ في عام 2015 ما قيمته 592 بليون دولار- (470 واردات من الصين، و122 صادرات اليها)- أي أن الصين المتضرر الأكبر- إذا تأثر التبادل التجاري مع أمريكا.
سابعاً: احتياطي النقود والديون الخارجية: الصين الاحتياطي 3.2 ترليون دولار، والديون 950 بليون دولار، وروسيا الاحتياطي 378 بليون دولار، والديون 600 بليون دولار، وأمريكا الاحتياطي 130 بليون دولار، والديون 17 ترليون دولار.
خلاصة المعلومات السابقة:
أولاً: الصين أقوى اقتصاد في العالم تليها أمريكا بفارق ضئيل، لكن دخل الفرد في أمريكا أربعة أضعاف دخل الفرد في الصين، التي تعاني من كثافة سكانية عالية.. روسيا تعاني تدهوراً اقتصادياً في السنوات الثلاث الأخيرة، حتى بلغ معدل النمو فيها سالب 4% (-4%) في عام 2015، بينما معدل النمو في الصين وأمريكا متزايد.
ثانياً: حجم التبادل بين الصين وأمريكا بلغ في 2015 حوالي 592 بليون دولار، منها 470 بليون دولار صادرات من الصين الى أمريكا- أي أن امريكا تملك وسيلة ضغط اقتصادية على الصين- علماً بأن حجم التبادل التجاري بين الصين والسودان عام 2015 بلغ حوالي مليار دولار، وبين السودان وروسيا مائة خمسة وعشرين مليون دولار، بمعنى أن صادرات الصين الى أمريكا تعادل حوالي خمسمائة ضعف صادراتها للسودان.
ثالثاً: روسيا تعاني تدهوراً اقتصادياً مضطرداً، إذ بلغت صادرات روسيا في 2015 حوالي 338 مليون متدنية من حوالي 500 بليون دولار في عام2014 ، ووارداتها تدنت في عام 2015 الى 193 بليون دولار من 308 بليون دولار عام 2014، وهذا التدهور بسبب المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون بعد غزو روسيا لمنطقة القرم الأوكرانية في أغسطس 2014.
الاستنتاج: من البيانات والخلاصة يكون الاستنتاج المنطقي أن موقف روسيا والصين في دعم السودان في مجلس الأمن تحكمه المصالح المشتركة خاصة الاقتصادية مع أمريكا وحلفائها الأوربيين.. ومصالح الصين المشتركة مع السودان في تناقص بعد اكتمال خطوط أنابيب البترول في السودان، ومطالبة الصين للسودان بمليارات الدولارات، عبارة عن استثمارات شركاتها البترولية في السودان، وهي- أي الصين- تنظر الى منابع البترول في دولة جنوب السودان وتنظر الى غزو افريقيا تجارياً، خاصة الدول التي أصبحت تنمو بسرعة مذهلة مثل اثيوبيا.. أما روسيا إضافة الى تدهور اقتصادها فإن حجم التبادل التجاري مع السودان ضئيل لا يذكر، والتطمين الدبلوماسي الصيني والروسي للسودان ما هو إلا ذر الرماد في العيون، ومكايدة وكسب نقاط قوة ضد أمريكا وحلفائها.. بعد انضمام السودان الكامل الى الأحلاف العربية الإسلامية في عاصفة الحزم في اليمن ومناورات رعد الشمال الممهدة للتدخل في سوريا دعماً للمعارضة السورية، التي تحاربها روسيا، يكون ذر الرماد أكثر والمكايدة أوضح.
حتى ندعم هذا الاستنتاج نورد بعضاً من القرارات الخطيرة، التي صدرت من مجلس الأمن ضد السودان، ولم تعترض عليها كل من روسيا والصين، بل وفي بعضها لم تمتنع عن التصويت وهذا أضعف الإيمان.. القرار 1591 الصادر تحت الفصل السابع في 29 مارس 2005 الذي يبرر إصدار القرار تحت الفصل السابع ويندد بأعمال الحكومة السودانية والحركات والمجموعات المسلحة، بعدم الانصياع الى التزاماتهم لمجلس الأمن ومواصلة خرق وقف اطلاق النار، ووجود ضربات جوية من جانب الحكومة التي أيضاً لم تلتزم بتجريد قوات الجنجويد من السلاح، وبذلك كوّن المجلس لجنة لمراقبة وتحديد الأفراد والمجموعات المتسببة في خرق مواثيق حقوق الإنسان، فاز القرار بـ12 صوتاً وامتناع ثلاث دول هي الجزائر، وروسيا، والصين.
القرار 1593 الصادر في 31 مارس 2005، والذي أحال أزمة دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية والتي أصدرت أوامر اعتقال الرئيس البشير وآخرين، أجيز هذا القرار بأغلبية 11 دولة وامتناع 4 دول هي الجزائر، والبرازيل، والصين، وأمريكا (روسيا صوتت مع القرار ضمن الـ11 دولة).
القرار 1769 الصادر تحت الفصل السابع في 31 يوليو 2007 والذي كوَّن قوات اليوناميد الحالية (حوالي 20 ألف جندي) محدداً في مادته رقم 24 عدم انهاء وجود اليوناميد إلا بقرار آخر من مجلس الأمن، بناء على تحسن الأوضاع وفق تأكيد من الأمين العام بذلك- أي أن السودان لا يملك حق المطالبة بسحب قوات اليوناميد- هذا القرار صدر بالاجماع دون اعتراض أو امتناع من روسيا أو الصين.. ثم القرار الأخير 2265 الصادر تحت الفصل السابع في 10 فبراير 2016 وتحدثنا عن خطورته في مقال سابق- هذا القرار أيضاً صدر بالاجماع دون اعتراض أو امتناع من روسيا أو الصين- هذه مجرد أمثلة لأربعة قرارات خطيرة على السودان، ضمن عشرات القرارات صدرت من مجلس الأمن ضد السودان ولم تعترض عيها روسيا أو الصين.
عليه أعود من حيث ما بدأت بأن الاعتماد والتعويل الكامل على حماية السودان من قرارات مجلس الأمن بواسطة روسيا والصين، أمر بالغ الخطورة إذ الاعتماد عليه في تجاهل قرارات مجلس الأمن ومواصلة حل أزمة دارفور والمنطقتين عسكرياً وتجاهل الاتحاد الأفريقي، الذي ذكر في كل قرارات مجلس الأمن قد يقود الى قرار بالتدخل الدولي بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة لإحدى دول الجوار بالتدخل حسب المادة 42 الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تقول: (إذا رأّى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تفِ به جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته الى نصابه) والسودان الآن في المادة 41 الخاصة بالعقوبات والوجود العسكري الأممي- اليوناميد- والمادة (43) تلزم الدول الأعضاء بالمشاركة في العمل والتدخل العسكري.
لذلك يجب علينا حل مشاكلنا بعد أن تم تدويلها بالتعاون التام مع الاتحاد الأفريقي، ومتابعة ومراجعة قرارات مجلس الأمن السابقة كلها.
والله الموفق.
تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة