كنا قد قصدنا التعليق على قرار الحكومة الصادر في يناير بفتح الحدود مع جنوب السودان، في حدود وصفه بأنه ينسجم مع توجهات وأهداف القرار السابق له بمراجعة رسوم عبور نفط الجنوب استجابة لطلب الجنوب، لكننا تفاعلنا بشكل كبير مع الحديث الذي أدلى به الرئيس البشير في فبراير عن تفاؤله بعودة الوحدة مع الجنوب وقلنا في مقال سابق إن الرئيس البشير يتبنى فكرة طي المسافات السياسية بينه وبين دولة الجنوب..
لم نتفاعل مع الإجراءات بقدر تفاعلنا وتعليقنا على التوجهات يقيناً منا بأن هذه التوجهات صحيحة وتحتاج إلى الوقوف خلفها والإسهام في نجاحها، أما الإجراءات والقرارات فهي موضوع آخر يمكن أن تستفيد فيه الحكومة من تجاربها وتتعلم من خبرتها المتراكمة في التعامل مع الجنوب وشكل علاقاتها مع حكومته كيف تدير علاقاتها مع هذه الدولة الشقيقة بشكل آمن وصحيح.
نحن نؤمن بدعم التوجهات للتقارب مع الجنوب لكنها يجب أن تتم بشكل ماهل وأن يُراعى فيها التدرج الموضوعي بشكل متفاعل وليس منفعلا، حتى لا تتحول العلاقات الثنائية بين البلدين إلى علاقات طفولية متقلبة وليس لها حال.
وفي اعتقادي أن تصحيح إدارة هذا الملف يبدأ باستئصال العاطفة من القرارات مع الجنوب، بحيث لا يتم بناء قرار انفتاحي جديد كرد فعل لتصريحات أو كلمات حسن نوايا تصدر من مسؤولين في حكومة الجنوب.
علينا أن ننظر في منهج الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع مبادرات السودان لتحسين وتطبيع العلاقات الثنائية، ونستفيد من هذه التجربة دون أن نتبناها أو نتبنى منهجها بشكل كامل لأن الإدارة الأمريكية لا تمارس فقط عملية تمهل في خطواتها مع السودان بل تحتفظ بأجندات خبيثة تريد أن تستثمر رغبة السودان في تحسين العلاقات الثنائية بتمرير بعض هذه الأجندات لكن حكومة السودان ليس لديها هذا الفهم في علاقاتها مع دولة جنوب السودان.. كل الذي ترجوه هو أن تفك جوبا ارتباطها بالكيانات المسلحة التي تحارب الجيش السوداني وتكف عن دعمها لتلك الحركات.
وطالما أن حكومة جوبا لا تقدم ضمانات عملية كافية للإقلاع عن هذه الممارسة العدائية فإن على الحكومة السودانية أن تقتصد مستقبلا في اندياحها وتفاعلها الكامل مع هذه العلاقات مع الاحتفاظ بالتوجهات الإيجابية والقناعات التي عبر عنها الرئيس البشير كما هي.. فالقناعة شيء والقرار وتوقيته وظروفه هو شيء آخر..
لكن من غير المحبب أن تضطر الحكومة السودانية للتراجع عن قرارات وخطوات محددة في علاقاتها مع الجنوب والأفضل أن لا تصدر تلك القرارات من الأساس بسهولة.
والأفضل أن تجعل الحكومة علاقاتها مع جنوب السودان في الحدود المعقولة والنسبة الطبيعية والحجم المناسب وتتدرج فيها بشكل مدروس، حتى لا تضطر للتراجع عن منح امتيازات أو تقديم التزامات في علاقات لا تزال قيد الفحص والتدقيق.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
جمال علي حسن – (جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي)