الحياة في طريق الموت

* الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره لا يبرر جريمة (ود العوض) الشنيعة وهو يستل سكينه المقوسة من ذراعه اليسرى ليغرس نصلها الحاد في خاصرة (ود الكباشي) الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وخر صريعاً وسط دهشة الجميع بعد مشادة عادية على قطعة أرض في وقت كانت فيه ملكية أراضي قريتهم النائية بـ(الحجز والحيازة) لا (شهادات البحث)..!!
* اقتيد (ود العوض) من السجن بعد عدة أيام عقب بدء جلسات محاكمته، ليقف (الجاني) أمام القاضي بكل الجرأة والبجاحة معترفاً بجريمته البشعة، ومترافعاً ببلاهة مطلقة بقوله: “أيوه اتضاربنا وطعنتو وبعد داك مات.. لكن لو ما يومو تم يا مولانا كان مات؟؟”.
* لن يموت (ود الكباشي) يا عبقري الجريمة الكاملة العناصر والمرتكبة على رؤوس الأشهاد إن لم يحن ميقات رحيله عن الدنيا، ولكن قبل أن تحدثنا عن تفسيراتك الشائهة لمعنى الإيمان بالقضاء والقدر عليك أن تعلم أنه لكل شيء سبب..!!
* وإن وجدنا العذر لمواطن محدود التعليم.. فاقد للمنطق.. ومتواضع القدرات الذهنية في ما قاله من (دفاع ساذج) لن يحول بينه و(حبل المشنقة)، فمن أين نأتي بالعذر لدولة.. حكومات ولايات.. مؤسسات كبيرة.. إدارات لا أول ولا آخر لها.. وشركات نقل تمشي على ذات نهج وفهم (ود العوض)، وإن لم تنطق بمرافعتها تلك صراحة لأنها لم تجد نفسها يوماً في (زنزانة المساءلة) إلا أن (الجواب واضح من عنوان مآسيه المتكررة).. و(منو العوض وليهو العوض على فهم ناس ود العوض)!
* أخبار الحوادث المرورية وموت العشرات فيها غير مئات الجرحى والمصابين باتت تتكرر كثيراً ورغم أنها ـ والحمد لله ـ لا تزال تحجز مساحتها بالصفحة الأولى، إلا أن حالة التأثر دائماً ما تنتهي بانتهاء مراسم النشر!
* تتغير الأرقام وتختلف حوادث المرور وتتباين الطرقات لتبقى الفجيعة واحدة.. تساؤلات عديدة تبحث استفهاماتها عن إجابات عاجلة.. إلى متى سيتوالى حصد الأرواح تباعاً على الأسفلت؟؟ ..هل كل ما نملكه تدوين بلاغ في مواجهة (التخطي الخطأ) ولا أحد بوسعه (تخطي) هذه العقبة أو تصحيح (الخطأ)؟؟.. ما ذنب النساء اللائي ترملن، والأطفال الذين تيتموا، والأمهات اللاتي فُجِعن برحيل فلذات أكبادهن؟؟.. هل المشكلة في الطرقات الضيقة المظلمة المليئة بالحفر والمطبات والأسفلت المقطع والمنعرجات أم أن من يتم منحهم (رخص قيادة) لا يجيدون شيئاً سوى التهور والاستهتار بأرواح الناس؟؟.. ألا تمثل هذه الحوادث الشنيعة المتكررة في مختلف طرق المرور السريع، والأعداد الكبيرة للضحايا مأساة حقيقية تستدعي الوقوف عندها؟؟.. كيف ستكون ردة فعل الناس والرأي العام تحديداً لو مات ربع هذا العدد من الضحايا في عمليات جراحية أو نتيجة انهيار مبانٍ؟؟ كيف كانت ستكون ردة فعل الشارع الصحافي؟؟.. لست ميالاً كما قلت من قبل لفكرة المقارنة بين مآسي الأخطاء فكل تقصير ينبغي أن يجد (مواجهة ودعوة للمحاسبة)، ولكني أندهش للصمت هنا و(حالة الهياج) هناك مع أن المحصلة واحدة وهي فقداننا لأرواح عزيزة، والمبادئ لا تتجزأ، اللهم إلا إذا كان الرأي العام يعتبر الأخطاء التي تحدث في بعض المرافق (قتلا عمدا) بينما حوادث الموت إهمالاً على الطرقات تنطبق عليها (مرافعة ود العوض) فهي مجرد (قضاء وقدر)!
* حصيلة ضحايا الشوارع تزداد يوماً تلو الآخر، ولا أحد يتحمل مسؤولية (الموت الجماعي)، أو يفتح تحقيقاً لمعرفة الأسباب الكاملة التي أدت إلى حدوث تلك المآسي المتكررة ليتفرق دم الضحايا بين جهات عدة تتقن جميعها لعبة الصمت، مع أن الصمت لم يعد ممكناً!
* يعتبر شارع (مدني الخرطوم) الذي يزيد طوله عن 180 كيلومترا من أكثر الطرق التي حصدت الأرواح؛ وتناثرت الجثث حوله ليتغير لون الأسفلت للأحمر بينما معدلات الضحايا تزيد يوماً تلو الآخر.. نعم، المسؤولية متكاملة وعناصر المأساة متعددة؛ ولكن سوء الطريق المظلم غير المطابق للمواصفات الفنية والرداءة التي تميزه تمثل بلا أدنى شك السبب الأول في مفارقة آلاف الأرواح للحياة في الطريق الذي تم تشييده عن طريق المعونة الأمريكية قبل 52 عاماً تساقطت فيها طبقاته كأوراق التوت فاستحق لقب (شارع الموت)..!
* يحسب لوالي ولاية الجزيرة د. محمد طاهر أيلا أنه وضع ملف (شارع الموت) في صدر أولوياته ليضع حداً لمصائب متتالية؛ فالطريق الذي تم الإعلان عن بدء العمل فيه مساء أمس الأول بإستاد ود مدني في ختام مهرجان السياحة والتسوق الأول بوساطة النائب الأول الفريق أول ركن بكري حسن صالح يعتبر (مشروعَ حلمٍ) انتظره إنسان الجزيرة طويلاً؛ لذا لم تكن مستغربة مداعبة النائب الأول للحشود التي سدت جنبات الإستاد وقوله إن الموت سيفارق أسفلت طريق مدني ليصبح بعد طول معاناة شارع حياة؛ ونأمل أن تتحول جميع طرق المرور السريع إلى (مسارين) فبعد شارع مدني هناك (طريق التحدي) الذي خرج للوجود متأخراً ولكنه (فات الكبار والقدرو) في حصد أرواح الأبرياء و(الجرتقة بالدماء)..!
نفس أخير
* الموت قضاء وقدر لا قضاء و(سفر)!

Exit mobile version