مسؤولة أممية: سياسة الخرطوم تجاه الجنوبيين كانت ودودة للغاية
معتمد اللاجئين: أعداد الجنوبيين الضخمة فاقت قدرة الدولة…!!
الساعوري: القرارات جاءت متأخرة وينبغي دعم مشار..!!
الكناني: عمقنا الاقتصادي في دولة الجنوب.. والقرارات خاطئة
عبد الله الصادق: تأمين الحدود ليس صعباً عبر التكنولوجيا
لم تمر 72 ساعة على اجتماع حكومة الجنوب مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في جوبا لبحث تقديم الدعم للفرقتين التاسعة والعاشرة بجنوب كردفان والنيل الأزرق، حتى جاء الرد سريعاً من حكومة الخرطوم، فبعد أن قال علي الصادق الناطق الرسمي للخارجية بأن على جوبا أن تبتعد عن الحركات المسلحة، وألا تدعم قطاع الشمال، اجتمع مجلس الوزراء أمس الأول وقرر معاملة مواطني دولة الجنوب المقيمين بالسودان بوصفهم أجانب لدى تلقيهم خدمات الصحة والتعليم، ليس هذا فقط، بل إن الحكومة قررت التحقق من هوية الجنوبيين المقيمين في البلاد واتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من لا يحمل جواز سفر وتأشيرة دخول رسمية خلال أسبوع، من جهتها هددت الرئاسة باتخاذ إجراءات لحماية البلاد حتى لو أدى ذلك لإغلاق الحدود مرة أخرى مع دولة الجنوب حال لم تتوقف جوبا عن دعم التمرد في المنطقتين. ونقل البشير بحسب ما جاء في الأخبار لرئيس الآلية الرفيعة ثامبو أمبيكي بأن السودان لا يستطيع أن يستمر بهذه الحالة، إذا لم تتوقف دولة الجنوب عن دعم التمرد، (في إشارة منه إلى إبداء حسن النية من قبل الخرطوم). وقال مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود حامد للصحفيين إن جوبا مستمرة في دعم المعارضة سواء في المنطقتين أو دارفور، مؤكداً أن الخرطوم بعد هذا الدعم المستمر وزعزعة الأمن والاستقرار، لا تستطيع أن تستمر بهذه الحالة، وهدد جوبا بأنها إذا لم تتوقف عن دعم التمرد فسوف يضطر السودان لاتخاذ إجراءات حتى يحمي حدوده حتى ولو وصلت لقفل الحدود مرة أخرى، ولمعاملتهم بالقانون الدولي.
مراجعات الحكومة
مراقبون يرون أن الحكومة السودانية تأخرت كثيراً في اتخاذ هذا القرار، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي، كما يقول للصيحة المحلل السياسي والأستاذ الجامعي بروف حسن الساعوري، حيث يشير إلى أن الخرطوم بدأت تراجع نفسها وانتبهت مؤخراً إلى أنها تعامل الجنوبيين معاملة تختلف نهائياً عن تلك المعاملة التي يتلقاها الشماليون في الجنوب، على المستوى الشعبي أو تعامل حكومة الجنوب مع حكومة الشمال، على المستوى الحكومي، لذا يؤكد الساعوري أنه كان لابد من اتخاذ موقف حاسم كالذي اتخذه مجلس الوزراء والقاضي بمعاملة الجنوبيين معاملة الأجانب.
ويذهب الساعوري إلى أبعد من ذلك وهو يدعو الحكومة إلى أن تسارع في إغلاق حدودها مع الجنوب، لأن الشمال غير مستفيد من فتح الحدود كما قال.. مؤكداً أن على سلفاكير أن يعلم أن دعمه للحركات المسلحة لن يكون بغير ثمن.
غلق الحدود ودعم مشار
ويمضي الساعوري إلى مطالبة الحكومة السودانية بدعم زعيم المعارضة الجنوبية رياك مشار عملاً بالمثل، نافياً حديث حكومة الجنوب بأن الخرطوم تدعم رياك مشار. وقال: لو كانت الحكومة السودانية تدعم مشار لأصبح منذ أمد بعيد رئيساً لدولة جنوب السودان، وقال الساعوري: ” لافائدة من جوبا طالما أنها مصرة على دعم الحركة الشعبية قطاع الشمال وإثارة المشاكل وإيقاد فتيل الحرب بجنوب كردفان والنيل الأزرق”. وأضاف: “ينبغي على الحكومة أن تحسم الحركة الشعبية قطاع الشمال، فلقد جلست إليهم خمس مرات ولم تنجح في الوصول إلى حل لمشكلة المنطقتين”. وأشار الساعوري إلى أن قطاع الشمال لا يريد حلاً للمشكلة، وشدد على اتجاه الحكومة لحسم قطاع الشمال عسكرياً وفي الميدان، وقال: ” على الحكومة أن تعمل على ذلك لأنها حتى اللحظة (مقصرة)، وهي تسعى للتفاوض مع الحركة الشعبية.
قرار خاطئ
وفي المقابل فإن مراقبين يعدون القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء قراراً خاطئاً، ولم يدرس بصورة سليمة بل وسيورد البلاد موارد التهلكة، لاعتقادهم بأن تنفيذ الخرطوم لتهديدها بغلق الحدود سوف يلحق أضراراً كارثية بالاقتصاد السوداني، كما يقول البروف إبراهيم الكناني خبير السكان والهجرة في حديث للصيحة، حين قال بأن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بمعاملة الجنوبيين معاملة الأجانب من الناحية الشكلية صحيح، لكنه من الناحية الاستراتيجية خطأ لأن دولة الجنوب لديها خصوصية، وخصوصيتها تكمن في أن اقتصادنا ما زال يعتمد على عائدات البترول الذي تنتجه دولة الجنوب كرسوم العبور على أقل تقدير، وهذا في حد ذاته سبب يجعلنا نفكر ألف مرة في اتخاذ قرارات تجاه دولة الجنوب كإغلاق الحدود مثلاً، وأضاف الكناني قائلاً ” ما زلنا نعشم في الوحدة مع الجنوب لذا كان يمكن أن نضحي بمسألة التعليم والصحة التي لا تقارن بعائدات البترول التي تأتي من الجنوب كآثار اقتصادية إيجابية للخرطوم واستنكر الكناني معاملة الجنوبيين كأجانب، وقال: ” لا يمكن أن نعامل الجنوبيين كأجانب وعمقنا الاقتصادي في دولة الجنوب، لأن هناك علاقات مفتوحة خاصة، والتجار المستفيدون من نقل البضائع وترويجها في الجنوب، وأكد الكناني على وجود ثلاثة آلاف شاحنة يومياً تتجه من الشمال للجنوب وهي محملة بالبضائع وهو ما يعني تصدير 2 مليار دولار يومياً للجنوب تشمل كافة المنتجات التموينية بما في ذلك الحديد والسيخ والاسمنت حتى الحلويات و(الشطة) والبصل والمياه العذبة والبسكويتات، كل هذه المنتجات يقول الكناني تأتي إلى جوبا من الخرطوم، فلماذا تخسر الخرطوم هذا السوق بسبب السياسات الخاطئة والقرارات المستعجلة التي تتخذ من غير دراسة وافية، وكشف الكناني عن وجود ثلاثة ملايين أسرة تستفيد من الخط التجاري بين الجنوب والشمال.
وتساءل الكناني عن كيفية منع الجنوبيين من التعامل كمواطنيين ومعاملتهم كأجانب بينما هناك أكثر من ثلاثة ملايين إثيوبي يعملون في البلاد في أعمال هامشية، وهم يرسلون أكثر من ثلاثين مليون دولار شهرياً إلى بلادهم.
حسم الجدل
وبعيداً عن اجتماع الحركة الشعبية فإن الخطوة التي اتخذتها الحكومة السودانية وضعت حسماً للجدل الذي كان دائراً بينها وبين برنامج الأمم المتحدة التي استمرت لأكثر من عامين في توصيف الجنوبيين. فقد اشترطت المنظمة وصفهم باللاجئين كي تقدم لهم المساعدات، بينما تشدد الحكومة على وصفهم بالمواطنين السودانيين، بما أنّهم جزء من دولة السودان الكبير قبل التقسيم. ويرى المراقبون أن الحكومة اتخذت الخطوة سابقاً انطلاقاً من هواجس أمنية وسياسية تتصل بالنظرة السالبة للمنظمات الدولية ودورها في تدويل قضية الحرب في إقليم دارفور، فضلاً عن تصنيفها للمنظمات الدولية كمهدد للأمن القومي للبلاد، وتفاديها فتح دور جديد للأمم المتحدة داخل السودان من خلال ملف الجنوبيين. وكانت منظمة الأمم المتحدة قد رفضت كل محاولات الخرطوم لمساعدتها في دعم الجنوبيين من دون توصيفهم كلاجئين، باعتبار الخطوة محكومة بالقانون الدولي.
اللاجئون الجنوبيون
وكان والي ولاية الخرطوم الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين قد كشف عن وجود 500 ألف مواطن من دولة جنوب السودان قاطعاً بأن هذا العدد الكبير يشكل عبئاً كبيراً على الخدمات التي تضطلع الولاية بتقديمها لمواطنيها من تعليم وصحة وخدمات، وقد علمت الصيحة من مصادرها أنّ عملية دعم الجنوبيين في مناطق الاستقبال أنهكت خزينة الدولة التي تعاني أصلاً من أزمة. وذكرت المصادر أنه وفقاً لتزايد الوافدين فإنّ حجم المساعدات المطلوبة قُدر بما لا يتجاوز 70 مليون دولار، وهو أمر يفوق طاقة الحكومة السودانية. كما قال الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية علي الصادق – حينها – إنّ عدد الجنوبيين الذي تجاوز 400 ألف لاجئ فاق توقعات الحكومة، خصوصاً مع ازدياده اليومي. وأكد أنّ الزيادة تجبر الحكومة على الاعتماد على المنظمات الأممية. وكانت معتمدية اللاجئين السودانيين قد وجهت مذكرة إلى رئيس الجمهورية عمر البشير لإعادة النظر في توصيف الجنوبيين. وبررت الخطوة بتزايد عدد الجنوبيين بما يفوق قدرة الدولة. ومع ذلك، فقد اشترطت في حال توصيفهم كلاجئين أن تؤول إدارة المعسكرات إلى معتمدية اللاجئين السودانيين والجهات الأمنية في البلاد. وهو شرط يرى فيه مراقبون أنّه يراعي تخوفات الحكومة وهواجسها الأمنية واستغلال ملف الجنوبيين ضدها. وفي تصريحات سابقة للصحف ، أوضح معتمد مفوضية اللاجئين حمد الجزولي أنّه عند اتخاذ الحكومة قرار معاملة الجنوبيين كمواطنين، لم يكن في حساباتها تفاقم العدد بتلك الأعداد الضخمة التي فاقت قدرة الدولة والولايات المضيفة. وقال إنّ في الخرطوم وحدها 135 ألف لاجئ. كذلك، وصف الجزولي أوضاع الجنوبيين اللاجئين بالسيئة، ويعانون الأمرّين في ظل غياب الخدمات. وأشار إلى توقيع اتفاقيتين بمبلغ ستة ملايين دولار بين الداخلية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لصالح تقديم المساعدات للجنوبيين، منها مليونان لحصر وتسجيل الجنوبيين، و4 ملايين لتقديم الخدمات لهم، فضلاً عن المجتمعات المضيفة.
ترحيب أممي
في وقت سابق من الآن كانت نائب مدير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنجيلا دي روسي قد رحبت بخطوة الحكومة السودانية مراجعة قرراها بشأن توصيف الجنوبيين كمواطنين. وقالت في تصريحات صحافية إن سياسة الحكومة في الخرطوم كانت ودودة للغاية، إذ عاملت الجنوبيين كمواطنين سودانيين بكامل الحقوق. لكنّ الخطوة لا تمكننا كمنظمة أممية من تقديم أيّ مساعدات لدعمهم”. وأضافت: نحن مستعدون للمساعدة متى ما تمت مراجعة القرار الحكومي، وصُنّف الجنوبيون كلاجئين. وتابعت: رغم ذلك قدمنا مساعدات للجنوبيين المتواجدين في المعسكر الوحيد في ولاية النيل الأبيض، والذين تصل أعدادهم إلى 93 ألفاً.
تأمين الحدود
الحدود التي بين الجنوب والشمال تقع في 2400 كيلو كما يقول البروف عبد الله الصادق رئيس لجنة ترسيم الحدود مؤكدًا أنه تم الاتفاق على 80% على الورق وتبقى 20% هي ما اختلفت عليه الدولتان، وفي وقت يرى فيه البروف الساعوري أن تأمين الحدود صعب جداً لأنها طويلة بين البلدين. يقول البروف عبد الله الصادق إنه ليس صعباً تأمين الحدود مع الدولتين إذا نظرنا للتكنولوجيا الحديثة وضرب مثلاً بالحدود بين الاتحاد السوفيتي سابقاً وأوربا وبين الصين وجيرانها أو حتى بين السودان ومصر، وهي تبلغ 1300 كيلو اي نصف الحدود بيننا والجنوب.
الرد الحاسم
بغض النظر عن السلبيات والإيجابيات في قرار مجلس الوزراء، ولكن فيما يبدو أن الحكومة السودانية اتخذت هذا القرار كرد فعل لاحتضان جوبا قبل أيام لاجتماع للحركة الشعبية قطاع الشمال مع مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى بحكومة الجنوب وعلى رأسهم مدير الأمن وبحث الاجتماع كيفية تأمين الدعم للفرقتين التاسعة والعاشرة في المنطقتين، وكيفية إيصال المساعدات الطبية وغيرها إضافة إلى اتخاذ ممرات آمنة حتى يتم إخلاء الجرحى خاصة وأن الصيف الحاسم سينطلق قريباً من قبل الحكومة السودانية لتمشيط المناطق التي تقيم فيها الحركات المسلحة ، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته القوات المسلحة على قوات عبد الواحد محمد نور في جبل مرة.
تقرير: عطاف عبد الوهاب
صحيفة الصيحة