طرد الحزب الشيوعي

الأستاذ أبشر الماحي الصائم، تحية طيبة وبعد.. لقد اطلعت على مقالك في عدد الجمعة بصحيفة (اليوم التالي) عمود (ملاذات آمنة) بعنوان (الترابي واليسار السوداني).. وأوافقك في معظم تحليلك بيد أنك قد وقعت في مغالطة تاريخية بذكرك.. بأن كلتا الطائفتين (الأنصار والختميه) قد أيدتا شيخ حسن في تخطيطه لحل الحزب الشيوعي، فالمعلوم بعد ثورة أكتوبر، أن الاتحاديين قد كانوا منقسمين إلى حزبين الأول هو (الحزب الوطني الاتحادي) برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري، والآخر هو (حزب الشعب الديمقراطي) برئاسة شيخ علي عبدالرحمن، وهو حزب طائفة الختمية، وقد كان العداء بينهما بعد ثورة أكتوبر مباشرة كبيراً، وتجلى ذلك في الهجوم الكبير من قبل صحيفتي الحزب الوطني الاتحادي (العلم) و(النداء) على شيخ علي عبدالرحمن والحزب، وكذلك هجوم صحيفة حزب الشعب الديمقراطي (الجماهير) على الزعيم الأزهري وعلى حزبه. وعندما تم التخطيط لحل الحزب الشيوعي بواسطة حزب الترابي (جبهة الميثاق الإسلامي) وحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي وطائفة الأنصار، اشترك معهم الأزهري ولم يشترك حزب الشعب الديمقراطي وطائفة الختمية في ذلك المخطط، فحزب الشعب آنذاك قد كان يميل جانب القائد جمال عبدالناصر الذي كان الكثيرون يطلقون عليه قائد الأمة العربية، لكونه قد قاد نضالها ضد العدو الصهيوني، وقد كان اليسار العالمي بقيادة الاتحاد السوفيتي يؤيد مصر، وقد وقف معها في معركة القنال وفك احتكار السلاح وتسليح الجيش المصري حيث ذكر عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967، أن الروس قد (خضروا يحملوا السلاح للجيش المصري مثل عادة العرب في المآتم)!!
أخلص من ذلك أن حديثك عن أن شيخ حسن الترابي قد استعان بالطائفتين لحل الحزب الشيوعي، ليس صحيحاً وقد خرجنا نحن من جامعة الخرطوم عندما كنا طلبة فيها، وذلك بتوجيه من قيادة اتحادها الذي فاز فيه الاشتراكيون الديمقراطيون (تنظيمات الوسط) بقيادة إسماعيل حاج موسى رئيس الاتحاد آنذاك، وبروفيسور محمد نوري الأمين رئيس المجلس الأربعيني، خرجنا يومها في مظاهرة ندين حل الحزب الشيوعي لأن حل أي حزب ضد الدستور الديمقراطي الذي يحكم البلاد، وقد خرج معنا شيخ علي عبدالرحمن رئيس حزب الشعب وبعض من جماهير حزبه، وكاد أن يلتحم (الإخوان المسلمون) مع بقية الطلاب المتظاهرين لولا أن فرق جنود الشرطة البواسل بين المجموعتين ومن ثم تفرق المتظاهرون بالقنابل المسيلة للدموع. وخرجت في اليوم التالي الصحف الحائطية لتنظيم الإخوان المسلمين في الجامعة (الاتجاه الإسلامي) تكتب عن شيخ علي عبدالرحمن في كونه قد خرج مدافعاً عن الحزب الشيوعي !!
والأمر الثاني أن الهجوم الكبير من صحافة الحزب الوطني الاتحادي على حزب الشعب الديمقراطي ورئيسه شيخ علي عبدالرحمن ووصفه بأنه شارك في مذكرة (كرام المواطنين) التي أيدت الحكم العسكري الأول (حكم الفريق عبود).. بينما كانت قيادات حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي والحزب الشيوعي في سجن (ناقيشوط) في الجنوب، قد جعل فرصة حزب الشعب في انتخابات 1965م ضعيفة مما حدا به الائتلاف مع الحزب الشيوعي مما سُمي آنذاك بـ (التحالف الاشتراكي) ومما جعله يقاطع الانتخابات، فكيف للطائفة التي قاطعت الانتخابات أن يكون لها نواب يصوتون بحل الحزب الشيوعي؟! هذا لم يحدث إطلاقاً وأرجو تصحيح معلومتك هذه..
وأضيف بأن الحزب الشيوعي قد استأنف للمحكمة الدستورية التي حكمت ببطلان حل الحزب، ولكن حكومة الأزهري والصادق المهدي (المؤتلفة) قد رفضت تنفيذ قرار المحكمة الدستورية.. مما جعل رئيس القضاء بابكر عوض الله يقدم استقالته من رئاسة القضاء، وعندما قبلها الأزهري بصفته رئيس مجلس السيادة.. انعكس ذلك على السيد بابكر عوض الله حقداً على النظام الديمقراطي (غير الديمقراطي) لأنه لم يلتزم بمبادئ الديمقراطية.. ومما حدا بالضباط ذوي الميول اليسارية من شيوعيين واشتراكيين وقوميين عرب أن يكونوا خلية (الضباط الأحرار) داخل القوات المسلحة التي عن طريقها دبروا انقلاب 25 مايوا اليساري، وضاعت بلادنا إلى الآن !!
… ودمتم.. مهندس مستشار عبدالمنعم محمد علي.. كبير مراجعي نظام إدارة الجود.
* من المحرر.. أشكرك يا باشمهندس.. ليس لصدقية حديثك وأنت يومئذ شاهد عيان وشريك في صناعة الحدث فحسب، بل لسعة صدرك ولطف وتهذيب تعبيرك وعدم تعسفك كما هو حال مداخلات هذه الأيام.. فالتاريخ يجمع ويصحح هكذا وصولاً للنسخة الحقيقية.. وثمة مقاربة جديدة بالاستدراك هنا وهي.. إن حالة (الانسداد السياسي) والغبن في الحالتين الشيوعية والإسلامية.. 1969.. 1989.. هي التي قادت إلى الانقلابين على السلطة.. فخلية الضباط الأحرار في الجيش التي أتت بمايو قد تشكلت على خلفية تداعيات طرد الشيوعيين.. وانقلاب الإسلاميين تحرك على متن غبن تشكيل (حكومة كل الجمعية) عدا الإسلاميين، بما في ذلك صاحب المقعد الواحد، ذلك مما جعل المبعدين الوحيدين يشكلون (حكومة كل الإسلاميين) بانقلاب 1989!!
أبشر الماحي الصائم – (ملاذات آمنة – صحيفة اليوم التالي)

Exit mobile version