> بين يدي اجتماعات الجمعية العمومية للأحزاب السياسية الإفريقية التي تحتضن الخرطوم الأمانة العامة لمجلسها، مع أواخر الشهر الجاري، كما أعلن الأمين العام للمجلس الدكتور نافع علي نافع، طافت الكثير من المشاهد والأفكار والأشجان، حول دور السودان في الملاحم الإفريقية الكبرى في فترات النضال الوطني الإفريقي ضد المستعمرين، ووقفة بلادنا الصلبة والقوية في سند ودعم حركات التحرر في القارة التي جاءت من رحمها الأحزاب السياسية الحاكمة اليوم، أو بقيت هي ذاتها من فجر الاستقلال والانتصار حتى اليوم، مثل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، وحزب زابو في زيمبابوي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية في الجزائر، والأحزاب الحاكمة في زامبيا وأنجولا وناميبيا وبتسوانا وسوزيلاند وغيرها من الأحزاب الإفريقية العريقة..
> اجتماع الأحزاب السياسية الإفريقية في الخرطوم، ليس بالحدث الهين، فالأحزاب التي سيتوافد ممثلوها على بلدنا في التاسع والعشرين من هذا الشهر، هي مخاضات وثمرة العقل السياسي الإفريقي الناضج، هي تحمل الأمل في إفريقيا جديدة متطلعة إلى الحكم الرشيد والحرية والديمقراطية والنهضة الاقتصادية وبناء قارة فاعلة ومؤثرة في محيطها الدولي. وقد تبدت الكثير من الحقائق في قارتنا خلال الفترات الماضية، وزاد الوعي بقضايا الإنسان الإفريقي بشكل ملحوظ، وانفتحت آفاق واسعة أمام الإفريقيين لتحقيق أحلامهم بعد أن تخلصوا من ميراث الماضي الثقيل وخلعوا رداء التبعية المطلقة لجلاديهم السابقين من غُلاة المستعمرين الغربيين، ولم تعد إفريقيا هي المرتع الخلفي لأوروبا ولا التابع الذليل..
> صورة السودان وتاريخه الناصع وسط القارة الإفريقية، تُلقي علينا جميعاً مسؤولية جسيمة للحفاظ عليها وتدعيمها وتمتين إطارها. فالسودان لم يكن دولة إفريقية خاملة الذكر أو بعيدة عن بؤرة النشاط والنضال والعمل الإفريقي المشترك، فقد كان في قلب المفاعل الضخم كنواة نشطة في نضالات الإفريقيين لنيْل حريتهم وبناء دولهم.
> بالأمس القريب، وقبل يومين، كان محدثنا من زامبيا يتحدث عن الغابات والأدغال التي عاش فيها المهندسون الفنيون والعمال السودانيون الذين شيدوا خطوط السكك الحديدية في زامبيا منتصف القرن الماضي والخبرة السودانية في بناء خزان كاديبا دام في ذاك البلد البعيد، وعن وقفة السودان مع نضال شعوب جنوب إفريقيا في روديسيا الشمالية والجنوبية سابقاً زيمبابوي وموزمبيق، وعن مذكرات المناضل الإفريقي الخالد نلسون مانديلا التي ذكر فيها بفخر دور السودان في نضال شعب جنوب إفريقيا ضد المستعمرين ونظام التفرقة النعصرية..مثل ما فعل السودان مع كل شعوب ودول القارة غرباً وشرقاً وشمالاً جنوباً..
> بهذا التاريخ وسطوعه القوي، ينبغي أن نفكر بعمق في مواصلة هذا الدور، والسير معاً، نحن وإخوتنا الأفارقة في مجابهة التحديات الحالية للإفريقيين، فمجلس الأحزاب السياسية الإفريقية، ليس مجرد منظمة تجتمع فيها الأحزاب وتنفض، أو أنموذج مستهلك لمنتدى سياسي تلتقي فيه القيادات السياسية في القارة، تلوك العبارات المعلبة الجاهزة ثم تفترق لتلتقي في مناسبة أخرى، فالمجلس لابد أن يمثل الروح الإفريقية السارية في الجسد القاري كله، فإفريقيا اليوم عند مفترق طرق، عاد إليها الاستعمار في ثوب جديد، وتسلل إليها الغزاة الجدد عبر وسائل مختلفة لمواصلة نهب وسلب ثرواتها ورهن إرادتها السياسية وحبسها في المدار والإطار الغربي، حتى يتم تكريس التبعية والذيلية، وتعود القارة كما كانت.
> وتواجه القارة أسئلة التنمية والنهضة والحرية السياسية والديمقراطية والحكم الرشيد ومحاربة الفساد وتحقيق معدلات مقبولة ومعقولة من التنمية والخدمات وزيادة نسب الارتقاء في مجال الصحة والتعليم والحصول على الاحتياجات الأساسية للإنسان كالماء النظيف والغذاء والاستفادة من الثروات الطبيعية، وقد ظل الإنسان الإفريقي محروماً من ثرواته ومحارباً في استقلال قراره، وليست هناك آليات لتوعية الإنسان الإفريقي وقيادته نحو المستقبل أهم وأنجع وأفضل من الأحزاب السياسية الإفريقية التي ستجتمع في الخرطوم وخلفها جدارية تاريخية مهمة وهي عبارة عن مساهمات السودان في صناعة التاريخ الإفريقي الحديث.
> لقد وقفت القارة السمراء بقوة في موضوع المحكمة الجنائية الدولية، واتخذ قادتها موقفاً حاسماً تجاه المحكمة التي خصصها الرجل الأوروبي الأبيض ضد الأفارقة، وواجهت قارتنا تلك المحكمة بالاستخفاف والرفض، وبعض دول القارة عندما ينظرون إلى هذا الموقف، يقولون إنه بعض من رد الدين والجميل للسودان الذي لولاه لكانت الكثير من إقطار إفريقيا تعيش ظلاماً لا تعي لا تنطقُ، كما قال شاعر إفريقيا الكبير محمد الفيتوري ..