> كان تلميح الراحل الدكتور الترابي رحمه الله بامكانية حل حزبه المؤتمر الشعبي بعد أن شارك بقوة في الحوار الوطني ليحاور بداخله الحكومة التي عاد إلى حزبها الكثير ممن كانوا معه، إيذانا بمرحلة سياسية جديدة عنده اختار لها شعار «المنظومة الخالفة» التي ينطقها البعض خطأً فيقول «النظام الخالف».
> والنظام الخالف يعني اسقاط هذا النظام.. لكن المنظومة الخالفة تعني اعادة صياغة النظام الحالي بما يشبه اعادة بناء مؤسسات الحكم بحيث تنتقل الدولة إلى مرحلة تفكير جديد لتحقيق انتاج الحلول للمشكلات العظمى.
> والفكرة في جوهرها تبقى نابعة من رغبة في العودة لصالح المسيرة السياسية للاسلاميين في الحكم.. والعودة ما اروعها عبر جسر الحوار الوطني.. وإذا كان بعض المتمردين والمعارضين وحتى اصدقاء شعب دولة الاحتلال اليهودي في فلسطين المحتلة قصدوا مكان الحوار الوطني.. فقد كان من باب أولى أن يقصده الراحل الترابي رحمه الله.
> والراحل الترابي قصده مسالماً مصالحاً مصافحاً.. وقد صالح من قبل الراحل جعفر نميري.. وهكذا المسلم الحق يتذكر دائماً أن الصلح خير.. وقد خاصم سيدنا عبد الله بن أبي السرح قيادة دولة المسلمين الأولى ثم عاد واصبح والياً على مصر فيما بعد، وقاد فتح السودان في عهد سيدنا عثمان .. وبفتحه دخل الإسلام في السودان لأول مرة.. فالاسلام ادخله إلى السودان الصحابة رضوان الله عليهم.
> وقبل انطلاق الحوار الوطني بسنوات عاد المئات من حزب المؤتمر الشعبي، وبعد الحوار الوطني تهيأت الاجواء لعودة كل ما تبقى وعلى رأسهم الراحل الترابي رحمه الله.
> أما بعد رحيله في مناخ الحوار الوطني الذي شارك فيه بقوة.. فإن خلافة الشيخ السنوسي لن تصمد أمام رياح الخلافات سواء داخل المجموعة أو في اطار العلاقة مع الحكومة في مرحلة الحوار الوطني.
> فالمؤتمر الشعبي الآن في منطقة وسطى بين حزب الحكومة وبين معسكر المعارضة التي تريد أن تظل بعيدة عن الحوار وتدعم بالتالي استمرار نسف الأمن والاستقرار في اطراف البلاد، وهي تتنعم بالأمان وهامش الحرية في ولاية الخرطوم.
> وما حدث بين الإسلاميين أخيراً في مركز الشهيد الزبير كان بين من ينتمون إلى ثلاث جهات.. الزبير محمد الحسن وابراهيم السنوسي وغازي صلاح الدين.
> وهؤلاء الثلاثة لا شيء يفرق بينهم الآن غير أن اخلاق الرجال تضيق .. وينبهنا الشاعر القديم قائلاً:
ما ضاقت بلاد بأهلها > > ولكن أخلاق الرجال تضيق
> وجيل الإسلاميين هذا يحتاج لتماسكه إلى مؤسسات وليس لزعماء متشاكسين.. فيجلسون في مكان واحد وهم أتباع لثلاثة أو أربعة زعماء.
> فما هكذا تورد الإبل.. وهذه الطريقة التي تسير بها الحركة الاسلامية ستضعفها تماماً في المستقبل وتتلاشى وتصعب جداً اعادتها سيرتها الأولى.. وستصبح الحركة الإسلامية رغم انها سند الحزب الحاكم تيارات متعددة مثل احزاب الامة والاتحادي الديمقراطي والبعث وطبعاً الحزب الشيوعي في خمسينيات وستينات القرن الماضي.
> وتلك أحزاب سياسية بحتة، لكن الحركة الإسلامية لها رسالة تناقضها الانشطارات ويضعفها تعدد الزعماء.. وكل هذا طبعاً يسر الأعداء المحاربين بالذات.. أمثال عقار والحلو وعرمان وهم بين جوبا وكمبالا يعدون العدة تحت رعاية واشراف سلفا كير وموسفيني لخوض حرب العروة الصيفية.
> لكن الآن الوقت مناسب جداً لوحدة الإسلاميين اكثر من ذي قبل.. فرحيل الدكتور الترابي جعل مجموعة من الإسلاميين بلا زعامة مماثلة، ويمكن في فترة انتقالية أن يتشكل مجلس زعامة يضم السنوسي وعلي عثمان والزبير وغازي.. فهؤلاء لهم جماهيرهم.
> ويمكن أن يتنافسوا في انتخابات لقيادة الحركة الاسلامية ويعقدوا مؤتمرهم العام ويعود قطار الحركة الاسلامية إلى قضيبه.
> لكن هل من يثيرون الخلافات الآن من منسوبي المؤتمر الشعبي حول صغائر الأمور لا يمثلون تياراً في الحركة الاسلامية، لأن المفترض فيها ألا يهتم منسوبوها بالصغائر اطلاقاً.. فهي لا علاقة لها بالعمل العام.
> ولو كانوا أولئك يهمهم حضور الرئيس البشير إليهم في المقابر، فعليهم الآن اثبات ذلك بأن ينفذوا فكرة الراحل الترابي .. وفكرته التي لمح لها هي العودة إلى جماعة قيادة الدولة.
فلا ينبغي أن تدخل الحركة الإسلامية الحوار الوطني مجزأة.. وستظل أبواب الحوار مفتوحة.
> أما جماعة «جوبا وملكال» بقيادة عقار فلها موعد إن شاء الله مع «الحال» الآن قريباً.
غداً نلتقي بإذن الله.