“آن أوان الموازنات الجادة بين عروض الخريجين وطلب البلاد لمؤهلات بعينها” .. الكاتبة ..!
* نوبات البكاء وحالات الإغماءالتي تعترض الجالسين لامتحان الشهادة السودانية في كل عام، هي صور معبرة عن تفاقم وباء القلق الأكاديمي المقيم بين فئات هذا الشعب،على اختلاف طبقاته ومشاربه ..!
على الرغم من تكاثر أعداد المنتمين إلى حزب العاطلين من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، لم يتزحزح إيمان المواطن– لحظة – بكون التعليم الجامعي هوأولى ضرورات الحياة الكريمة .. وما يزال أرباب الأسر الكادحة على استعداد لبذل كل شيء في سبيل وصول أبنائهم إلى ذروة السلم الأكاديمي مدفوع الأجر .. لدرجة أن الاستثمار في تعليم الأبناء قد أصبح اليوم هوالبديل الرسمي لفضيلة الإدخار ..!
* فالتعليم المدرسي الجيد أصبح مرتبطاً بالصرف المادي الجيد، التفوق الأكاديمي للطالبات مرتهن بالتصنيف الطبقي لأسرته ..ولأن “الموت مع الجماعة عرس” – كما يقول المثل – فإن من حسن العزاء أن نسمع بشعوب أخرى مصابة بذات الوباء وإن اختلف الحال وتباين المآل..!
في دولة نيبال التي يتزامن توقيت امتحانات الشهادة الثانوية فيها مع مثيله عندنا – تظاهر الكثير من أولياء الأمور وبعض المدرسين”المؤمنين بالفكرة” – بل فترة – أمام قاعات امتحانات الشهادة الثانوية، مطالبين بالسماح لأولادهم بالغش، بدعوى أن تلك الامتحانات مصيرية، وهم على استعداد لعمل أي شيء من أجل التحاق أبنائهم بالجامعات..!
* أما الطلاب النيباليين الذين منعوا من الغش فقد اعتدوا على المراقبين واشتبكوا مع الشرطة، فأسسوا بتلك الاحتجاجات والمظاهرات لعرف اجتماعي جديد، مفاده أن المنافسة الشرسة بين جموع غفيرة على مقاعد دراسية محدودة هي معركة سياسية وضرب من ضروب تقرير المصير .. وفي حالات الحب والحرب – كما تعلم – يباح للعاشق أو المقاتل ما يُحرَّم في أحوال السلم أو الحياد العاطفي..!
* وهكذا، أصبح الغش في امتحانات الشهادة النيبالية مطلباً شعبياً تندلع لأجله المظاهرات، بينما في امتحانات الشهادة السعودية مثلاً، ما يزال الغش ذنباً يتاخم الكبائر .. أما في امتحانات الشهادة السودانية فالغش لم يتجاوز بعد مرحلة المحفزات الذهنية الخفية، والمساعدات الواجبة بين الزملاء ..ولكن قد يتفاقم الأمر إن لم يخرج عليناخبراء علم النفس الاجتماعي بمصل تربوي شافٍ من وباء عقدة البكالوريوس ..!
* في تقديري نحن نحتاج إلى أن نعيد تشكيل خارطة الوعي الاجتماعي بأهمية وقيمة تخصصات مهنية طال تهميش دورها التنموي، وبالقيمة الفعلية لشهادات “الدبلوم” التي تمنحها الكليات والمعاهد المهنية، والتي تساهم أكثر من غيرها في دفع مسيرة التنمية ..!
* ما الذي يدعو هذا الكم الهائل من الشباب إلى الاستماتة في الحصول على شهادة “بكالوريوس” ـ في تخصصات خاملة ـ تؤهلهم للوقوف طويلاً في صفوف العاطلين، إذا قامت الدولة بتشجيعهم على الاكتفاء بشهادات “دبلوم” جيدة في تخصصات مهنية ذات وظائف مستقبلية مضمونة، تضمن لهم الدولة استمرار احتياجها لها في مسيرتها التنموية العشرينية القادمة ـ على الأقل ـ .. ؟!
مؤكد أنها ستوفر بذلك وظائف جيدة لمئات العاطلين، وتوفرعلى نفسها وعلينا سنوات كثيرة من الوقوف في “صفوف التنمية المستدامة .. فهل من مُذَّكٍر ..؟!