بدأت امس امتحانات الشهادة الثانوية، ويجلس أكثر من أربعمائة وخمسين ألف طالب وطالبة في هذه الامتحانات، ويطيب لي في صدر هذا المقال أن أدعو للقائمين على أمر هذه الامتحانات، فأسأل الله تعالى أن يجزي عنّا الإخوة المدرسين والمدرسات والإداريين والإداريات بالمدارس والقائمين على الإشراف التربوي والمناط بهم حفظ هذه الامتحانات والإشراف عليها، فاللهم بارك في جهودهم وأرزقهم من الخير العاجل والآجل لقيامهم بهذه المهمة السامية، واجزهم اللهم بكل حرف يكتب ورقم يوضع ونقطة تنقط الحسنات المضاعفات. وحسب إفادات في امتحانات أعوام سابقة فإن طلاباً يحرصون على أن يلبسوا «الحجبات» وهي «التمائم»؛ فيعلقونها على صدورهم وفي أيديهم بغرض تجاوز صعوبات الامتحانات و«الثبات» في الإجابات، وبعضهم يرى أن لبس «الحجاب» يكون سبباً للمرور من الامتحانات والخروج بنتيجة إيجابية؛ وبعض من يرغب من الطلاب في «الغش» أثناء الاختبار يتوهم أن «الحِجاب» يتم به «كف» عيون المراقبين عنه.. ومما يشبه أمر هذه «التمائم» من العادات المنحرفة وأعمال الشّعوذة والدّجل الذي لا يزال له بقية في بعض الجهات في مجتمعنا: إعطاء أقلام بعض الطلاب ليتفل عليها بعض مدّعي الولاية والصلاح!! وهو من طقوس الجاهلية التي أوشكت أن تندثر لكن لا تزال لها بقية!!
ونظراً لوجود هذا الأمر وانتشاره بين بعض الناس بما يوجب أداء الفرض الكفائي بالتنبيه عليه؛ فإني أعلّق بما يلي:
أولاً: الحجبات هي «التمائم» مفردها «حِجَاب» وتجمع على «حِجبات» و«حُجُب» وسمي الحجاب بذلك لأن ما كتب فيه محجوب عن الناس فلا يطلع عليه غالباً من يحمله أو يتوسط في الحصول عليه، أو من الاعتقاد أنه يحجب عن صاحبه العين ويمنعها وسيأتي بيان ذلك في وقفة تالية، ويجلَّد غالباً بجلد بطريقة معينة بعضه يربط على العضد وبعضها يعلق في الرقبة وبعضها يربط على البطن، وتأثر إنتاج «الحجبات» بالصناعات الحديثة فأصبح يرى حجابٌ تم تجليده على «طبلة» وهو المشهور بحجاب «أبو طبلة» حيث يغلق عليه بالمفتاح!!
ثانياً: الحجبات هي «التمائم» للتميمة والتمائم هي ما كان يعلقه أهل الجاهلية على الصبيان من خرزات وعظام ونحوها بغرض دفع الإصابة بالعين، وقد ورد في السنة النبوية بيان الحكم الشرعي ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علق تميمة فقد أشرك» رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه الألباني، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الرقى والتمائم و التولة شرك» رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم وصححه الألباني، وعن عيسى وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبدالله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده، وبه حمرة فقلت: ألا تعلق شيئاً؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي: «من تعلق شيئا وكل إليه» رواه الترمذي وحسنه الألباني. وتفصيل الحكم الشرعي الذي دلّت عليه هذه الأحاديث في الوقفة التالية:
ثالثاً: التميمة قد تكون بآيات من القرآن الكريم بأن تكتب آيات وتوضع في شكل حجاب وتُلبس، وهذه حكمها أنه لا تجوز وهذا هو القول الصحيح والراجح في حكم التميمة التي تكتب من آيات القرآن الكريم، فإن ذلك لم يثبت فعله عن النبي عليه الصلاة والسلام والواجب تحري الأسباب الشرعية وعدم اتخاذ أسباب لم تشرع في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أنه يؤدي إلى امتهان القرآن الكريم بالدخول به في أماكن لا يجوز أن يُدخَل به فيها، وأما التمائم التي تكون من غير القرآن الكريم وهو غالب ما يكون في هذه «الحجبات» المنتشرة فحكمها يختلف باختلاف حالها وما يعتقد فيها، فإن كان من يلبس هذه «الحجبات» يعتقد أن النفع والضر بيد الله تعالى وحده وأن «الحجاب» سببٌ لذلك فيكون الحكم التحريم فإن اتخاذ وسيلة لم تأتِ بها الشريعة هو من المحدثات في الدين ومن المنكرات في الشريعة فتكون من الشرك الأصغر وهو ما يكون في الوسائل، وأما إن كان من يلبس هذه «الحجبات» التي هي من غير القرآن الكريم يعتقد أنها ترد البلاء بذاتها وتجلب له الخير بنفسها فقد جعلها شريكاً لله في تصريف الأمور وتدبيرها فيكون حكمها أنها شركٌ أكبر والعياذ بالله، فإن المتصرف في الكون والنفع والضر بيد الله تعالى وحده وهذه مخلوقة ليس لها من الأمر شيئاً قال الله تعالى: «وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لهُ وإِنْ يَمْسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قدِير»، وقال سبحانه وتعالى: «وَإِنْ يَمْسسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فلاَ كاَشفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وإِنْ يُرِدْكَ بخَيْرٍ فلاَ رادَّ لفَضْلِهِ يُصِيبُ بِه منْ يَشاَءُ مِنْ عِباَدِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ».
رابعاً: عند فتح مجموعة من «الحجبات» وهذا أمر أصبح من الأمور المتواترة أنه وُجد أنه قد كُتِب عليها أسماء شياطين بين كلمات وأحرف كتبت في الحجاب !!! فالواجب أن يتنبه الكثيرون ممن يعلقون هذه التمائم «الحجبات» دون أن يعلموا ما كُتِب فيها مما لا يوافقون عليه لو اطلعوا عليه، علماً بأن بعض ما يكتب هو كلام لا معنى له، وهو من ضحك بعض الدّجّالين على بعض من يأتيهم ليأخذوا منهم أموالهم مقابل تلك «الحجبات».
خامساً: إن من تعلق شيئاً وُكل إليه، وإن الله تعالى قد خلق عبده ليكون متعلقاً به في كل الأوقات والأحوال فهذا نبي الله محمد وخاتم رسله أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام يقول لصاحبه الصديق وهما في الغار: «إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا». وقال الله تعالى عن موسى عليه السلام لما قال أصحابه «إنا لمدركون» فقال: «كلا إن معي ربي سيهدين».
سادساً: إن على المسؤولين في وضع المناهج والمقررات والقائمين على التعليم من موجهين ومشرفين ومعلمين ومعلمات ويشاركهم الآباء والأمهات الدور الكبير في تربية الأبناء من الطلاب والطالبات على المعتقد الصحيح وتصحيح الأخطاء في أقوالهم وتصرفاتهم وإنها لمسؤولية عظيمة أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها..
سابعاً: وللتفصيل في النقطة السابقة أقول: إن من أعظم الواجبات تربية الناشئة على التوكل على الله تعالى وتفويض الأمور إليه بعد بذل الأسباب الشرعية، وبيان أن من توكّل على الله كفاه، ونصره وأيده وسدّده وأعانه «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» أي: كافيه.. وتعويد الأبناء والبنات على العتاية بتقوية هذا الجانب وأنه ما خاب شخصٌ توكل على الله وأحسن رجاءه.. وتدريسهم من قصص الأنبياء ما جاء في القرآن الكريم مما يبيّن وجوب صدق اللجوء إلى الله تعالى وأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله..