من النادر أن تنتهي فعالية انتخابية للمرشح الجمهوري لدونالد ترامب هذه الأيام، بدون اضطرار قوات الأمن إلى إخراج متظاهرين معارضين له من القاعة. معظم الخطابات تنتهي بسلام، ولكن إلغاء ترامب لفعالية الأسبوع الماضي في مدينة شيكاغو جاء بعد ارتفاع وتيرة التظاهرات، وحدة الرد عليها، ما دفع المراقبين إلى التشبيه ما بين الانتخابات الحالية وما بين انتخابات عام ثمانية وستين، والتي حصلت في جو سياسي مشحون. التوتر ذكر بأن تاريخ العنف السياسي في الولايات المتحدة، خاصة الذي يتعلق بالانتخابات، ليس بجديد.
“الأمر مفاجئ ليس لانعدام أسبقية للعنف السياسي، بل لأننا لم نر هذا النوع من التوتر منذ السبعينيات” يقول آلان ليكتمان وهو بروفيسور تاريخ أميركي في جامعة أميركان في واشنطن.
انتخابات عام ثمانية وستين توجت عاما من الصراعات والاغتيالات السياسية، وأبرزت الكثير من التغيرات الديمغرافية التي تمر فيها الولايات المتحدة. ففي هذا العام اغتيل مارتن لوثر كينج، القيادي الإفريقي الأميركي الذي نظم الحركة المطالبة بحقوق مدنية متساوية للأفارقة الأميركيين. اغتياله أدى إلى سلسلة من التظاهرات العنيفة في كثير من المدن الأميركية الكبرى. والصراعات لم تكن عرقية فقط. اندلعت أعمال الشغب في شيكاغو أثناء المؤتمر الحزبي الديمقراطي في ذلك العام بعد اغتيال روبرت كينيدي، المرشح المرجح، حيث قامت المؤسسة الحزبية بفرض مرشحها- نائب الرئيس هيوبرت هامفري- بدلا من المرشح المعارض للحرب في فيتنام يوجين مككارثي. هامفري لم يواجه فقط الجمهوري ريتشارد نيكسون في الانتخابات، بل واجه أيضا مرشح الحزب الثالث، جورج واليس، وهو العنصري الذي أدار حملته بناء على تأييده للقوانين التي تدعم التمييز العنصري ضد الأفارقة الأميركيين. واليس ونيكسون كانت لديهما الكثير من الصفات التي يمتاز بها دونالد ترامب.. من ازدرائهما للمتظاهرين، إلى قدرتهما على تأجيج البيض ودعم أجندة “الأمن والنظام”.
المعارضون في تلك الأيام كانوا من معارضي الحرب والناشطين في مجال الحقوق المدنية.
“نيكسون كان يطلب من منظمي فعالياته السماح للمعارضين بالدخول إلى القاعة في آخر خطابه، ليستطيع بعد ذلك أن يقارن نفسه بهم بطريقة تجذب مؤيديه” كما يقول ليكمان.
أما واليس فشهر لقوله إن المتظاهرين الفوضويين الذين يحاولون إيقاف سيارته بالاستلقاء على الشارع “سيستلقون هناك للمره الأخيرة”. واليس نجح في الفوز في خمس ولايات أثناء الانتخابات الرئاسية وخسر أمام نيكسون.
مرشح اليوم ترامب، يقول إنه يعارض العنف ولكنه يؤجج مؤيديه على الرد على المتظاهرين، فهو قال إنه قد يدفع تكاليف محامي رجل قام بلكم أحد المتظاهرين في فعاليته، كما يقول أحيانا إنه يتمنى أن يضرب المشاغبين بنفسه.
والناشطون المعارضون لترامب هذه الأيام هم مزيج من الأفارقة الأميركيين واللاتينيين والبيض والمسلمين الذين يعتقدون أن مواقف ترامب عنصرية، وتؤجج الانقسامات العرقية في وقت حساس تمر فيه البلاد بتغيرات ديمغرافية واقتصادية جمة. فترامب لا يبدي تعاطفا مع الحركة الإفريقية الأميركية المعارضة لعنف الشرطة، وهو يلوم المهاجرين غير الشرعيين على سرقة وظائف الأميركيين، ويريد منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة مؤقتا.
مع كل هذا يقول ليكمان إنه لا يرى الكثير من التشابهات التاريخية بين الانتخابات الحالية وبين حقبة أواخر الستينيات “نحن لسنا في حرب تشبه فيتنام، والعنف الذي نشهده بين الشرطة والأفارقة الأميركيين لا يرقى أبدا إلى مستوى المظاهرات العنيفة التي حدثت في الستينيات. ما أراه هو حساسيات ناتجة عن التغيرات الديمغرافية تتم إثارتها وتأجيجها من قبل المرشح ترامب وجمهوريين آخرين مثل تيد كروز الذي يكرر دائما أن الرئيس أوباما “خرب” البلاد”.
دوريس كيرنز جودوين هي مؤرخة رئاسية شبهت ما حدث في شيكاغو الجمعة بالمؤتمر الحزبي الجمهوري عام 1912 “عندما تنافس تيدي (روزافيلت) و(وليام) تافت كانت تستخدم مضارب البيسبول لمنع دخول المندوبين المنافسين إلى قاعة المؤتمر الحزبي. تم استخدام مسدس لتهديد رئيس الهيئة بشكل مباشر، بل اندلعت نيران المتفجرات وتشابك الطرفان في الردهات”.
الفرق- كما قالت جودوين أثناء مقابلة مع قناة إن بي سي إن- هو أن التلفاز والإنترنت يسمح بنشر الصور بشكل مباشر هذه الأيام.
أما المؤتمر الحزبي الجمهوري هذا الصيف، فعلى الأغلب لن يشهد ذلك النوع من العنف، لكنه قد يشهد صراعا ليس أقل حرارة، فالكثير من التوقعات تشير إلى مؤتمر منقسم لا يحصل فيه أي مرشح على نصف المندوبين، هذا قد يعني أن الترشيح الجمهوري سيتم التسابق عليه داخل ردهات الفندق.
العربية نت