إن صحَّ ذلك. وأُرجِّح أنه صحيح، فإن مواطني دولة جنوب السودان ينبغي أن يدرجوا تحت الحمايّة الدولية حتى يُقيض الله لهم حكامًا وقادة آدميين وليسوا وحوشًا، فلا يمكن أن ينظر العالم إلى تلك المقتلة الفظيعة موقف المتفرج، مقتلة يرتكبها في حق شعب الجنوب المظلوم من يدّعون أنهم حرروه من الاستعمار، ولذلك ربما يريدون ثمنًا باهظًا مقابل تلك الحرّية المُدعاة، ثمنًا يختلط فيه الدم بالجنس والسرقة والاضطهاد. أي ثوار من أجل الحرّية هؤلاء؟
إن صحَّ ذلك التقرير الذي بذلته الأمم المتحدة وهيومان رايتس ووتش، أول أمس الجمعة، فإنها الكارثة تبسط معناها من أقصاه إلى أدناه هنا في جنوب السودان، التقرير يقول “إن وضع حقوق الإنسان في جنوب السودان (فظيع)، إذ أجيز لمقاتلين موالين للحكومة بـ (اغتصاب النساء كمكافأة أو راتب لهم)”. وكان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن رعد صرح لوسائل إعلام عبر العالم، بأن الاغتصاب استخدم كأداة لبث الرعب وكسلاح حرب، وأن حجم وطابع الاعتداءات الجنسية، التي ارتكبت معظمها القوات الحكومية جرى وصفها بتفاصيل مخيفة وصادمة، إذ ذبحوا المدنيين ودمروا الممتلكات ووسائل العيش”.
والحال، أن الفريق الأممي الذي قام برصد هذه الوقائع، أكد أن الميليشيات المسلحة، التي تنفذ الهجمات إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان، ترتكب انتهاكات بناء على اتفاق “افعلوا ما يمكن أن تفعلوه وخذوا ما يمكن أن تأخذوه”. وأضاف أنه بناء على مصادر موثوقة، فإن الجماعات المسلحة المتحالفة مع الحكومة يسمح لها باغتصاب النساء على شكل مكافأة أو راتب. لذلك هم ينهبون الماشية ويسرقون الممتلكات الخاصة بوصفها غنائم حرب ويغتصبون ويخطفون النساء والفتيات بوصفهن سبايا حرب، مدنيين متهمين بتأييد طرف دون الآخر، بينهم أطفال ومعاقون قتلوا أو أحرقوا أحياء أو خنقا أو بالرصاص أو شنقا على أشجار أو قطعوا أشلاء.
بطبيعة الحال ونظرًا لحجم وعمق وفظاعة هذه المزاعم واتساقها وتكرارها والتشابه في طريقة تنفيذها، خلص التقرير إلى أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن هذه الانتهاكات يمكن أن تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
والآن، يعرض سلفا ويعرض مشار، ويعقدان اتفاق (سلام). أي عبثية هذه؟ أي لعنة؟ وكيف يسمح المجتمع الدولي لهما بالبقاء على كرسي ملطخ بالدماء والأشلاء ومطمخ برائحة الاغتصاب؟ وكأنهما يريدان أن يديرا هذا البلد المأزوم من عرش مصنوع من الجماجم، وكأنهما يرددان وهما في حالتهما العرشية (تقاسم السلطة وتقاسم الموت)، كأنهما يرددان شعر درويش “أيها الموت التبس واجلس على بلّور أيامي، كأنك واحدٌ من أصدقائي الدائمين”.
وهكذا تبلغ العبثية أوجها في توظيف الحكومة السودانيّة الجنوبية (قتلة) مقابل السماح لهم باغتصاب النساء بناءً على عقد عمل أهم شروطه “افعلوا ما يمكن أن تفعلوه وخذوا ما يمكن أن تأخذوه”.
إلى ذلك، وكأني بالجنوبيين من المواطنين الأبرياء، يدعون ربهم “يا إلهي، إذا كان هذا هو ثمن الحرية فأرسفنا بأغلال متينة، واحبسنا بين جدران سميكة وادفع بنا إلى أقبية مظلمة وحصينة، فهذا خير من أن تأتي جحافل المغتصبين والسُرّاق المسماة جيوشًا ثورية فتحرقنا أحياء وتغتصب نساءنا وتهلك زرعنا وتقضي على نسلنا”.